إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله -تعالى- بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه الكتاب والحكمة (وهي السنة) وأمره باتباع ما أنزل عليه، والإعراض عن غيره فقال {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام: ١٠٦] وأمر أتباعه أيضًا بما أمره به فقال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}[الأعراف: ٣] ونهاهم عن مخالفة التنزيل فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:١] فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: "لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة"[ابن كثير: ٤١٢٠٥].
وقد جعل الله الناس قسمين: عالمِين، وعامُّيين وأمر الآخرين أن يسألوا الأولين فقال {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣]. فإذا عرض العامى نازلته على المفتى فهو قائل له:"أخرجنى عن هواى ودلنى على اتباع الحق"، فلا يمكن -والحال هذه- أن يقول له:"في مسألتك قولان، فاختر لشهوتك أيهما شئت؟! فإن معنى هذا تحكيم الهوى دون الشرع"[الموافقات للشاطبى: ١٤٣/ ٤] والعامى إنما سأله ليدله على حكم الشرع فكان الواجب عليه أن يذكر له الراجح من القولين بدليله، لا أن يقول له: في مسألتك قولان.