- صلى الله عليه وسلم - أصحابه جميعًا أن يحلوا من إحرامهم، وأن يجعلوا طوافهم وسعيهم عمرة، إلا من كان قد ساق الهدى منهم مثله - صلى الله عليه وسلم - وغضب على الذين لم يبادروا إلى الاستجابة لأمر، وأكد ذلك صلوات الله وسلامه عليه بقوله:"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" فهذا نص أيضًا على أن العمرة صارت جزءًا لا يتجزأ من الحج. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى". وهذا ليس إشعارًا منه - صلى الله عليه وسلم - بمجرد رغبة فاتته بإحرامه قارنا، بل هو إيذان منه عليه الصلاة السلام بأن التمتع بالحج أفضل من القران به.
فكل حاج لا بد له من أن يقرن مع حجه عمرة، إما متقدمة عليه لأنه لم يسق الهدى، وهذا هو التمتع -وإما مقرونة به لأنه ساق الهدى وهذا هو القران-، فأى الاثنين اختار كان موافقا هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان التمتع أفضل من القران كما بيّنا آنفا.
بقى أن نعلم أنه وان قال! واجبا على من حج مفردًا أو قارنا لم يسق الهدى أن يحل من إحرامه إذا طاف وسعى فإن المحرم بهما قد لا يجد متسعا من الوقت يتحلل فيه من إحرامه ثم يهلّ بالحج قبل خروج وقت عرفة، وعليه فإنه يجوز لمن أحرم مفردًا أو قارنا لم يسق الهدي أن يظل محرما، لا يتحلل من إحرامه إلا بعد رمى جمرة العقبة يوم النحر، إذا لم يتسع وقته للتحلل ثم الإحرام من جديد.
ومثال ذلك: من قدم مكة ليلة التاسع، وخشى فوات الوقوف بعرفة، لضيق الوقت واقتراب الفجر، فهذا عليه أن يبادر إلى الصعود إلى عرفة لكيلا يفوته الركن الذي بفواته يفوت الحج كله، وهو الوقوف بعرفة، فيكون الحج المفرد جائزًا مشروعا في حدود ضيقة جدًا وإذا حج إنسان مفردا وترك التمتع والقران إيثارا للإفراد عليهما فهو آثم بهذا؛ لأنه غير مستجيب لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة لكن حجه صحيح" (*).
جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه:
(*) إرشاد الساري للوالد الشيخ محمَّد إبراهيم شقرة.