المسلم والكافر في القصاص غير معروفة فغير صحيح، فإنهما متساويان في الحرمة التي تكفي للقصاص، وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد، فالذمي محقون الدم على التأبيد كالمسلم وكلاهما صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، فيدل على مساواة ماليهما فدل على مساواة دمهما؛ إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه. وأما ربط آخر الآية بأولها فغير مسلم فأولها عام، وآخرها خاص، وخصوص آخرها لا يمنع عموم أولها، بل كل على حكمه، وأما أن الحر لا يقتل بالعبد، فلا أسلمه بل يقتل به عندي قصاصا، فتعلقت بدعوى لا تصح لك، وأما من عفي له من أخيه يعني المسلم، فكذلك أقول ولكن خصوص هذا في العبد لا يمنع عموم القصاص، فهما قضيتان متباينتان لا يمنع خصوص هذه عموم تلك. ا. هـ.
ولنضع أمامك مثالا تفهم به ما امتحن به طلاب العلم بعد القرون الوسطى: عرف ابن عرفة الذبائح بكلمات وهي: الذبائح لقبا لما يحرم بعض أفراده من الحيوان لعدم ذكاته أو سلبها عنه ما يباح بها مقدورا عليه. ا. هـ. وهو تعريف أشبه كما ترى بلغز منه بمسألة علمية، فاحتاج بعض أهل العصر في شرحه إلى كراس كامل، فإذا كان تعريف لفظ واحد من ألفاظ الفقه التي حدث الاصطلاح الشرعي فيها يحتاج شرحه إلى هذا، وبالضرورة لا بد من درسين أو ثلاثة دروس تذهب فيه، فكيف يمكن أن يمهر الطالب في الفقه، وكيف يمكن أن ترتقي علومنا؟ وأي حاجة بطلبة العلم إلى هذه التعاريف، فلقد كان مالك وأضرابه علماء وما عرفوا ذبيحة ولا نطيحة.
وهذه "الموطأ" و"المدونة" شاهدتان بذلك، وهكذا بقية المجتهدين، ولهذا كانت المجالس الفقهية في الصدر الأول مجالس تهذيب لجميع أنواع الناس عوامهم وطلبتهم، فأصبحت اليوم لا ينتابها إلا الطلبة، فإذا جلس عامي حولها، لم يستفد منها شيئا، فيفر عنها، ولا يعود إذ يجدهم يحلون مقفلات التآليف بأنواع من القواعد النحوية المنطقية التي لا مساس له بها، ولو أنه وجدهم يقرءون تأليفا من تآليف الأقدمين فقهيا محضا مبينا فيه الفرع وأصله من الكتاب والسنة