للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لا ترى أحدا يشتغل به، ويتهافتون على الفقه، والبلد مشحون بالفقهاء، فليت شعري كيف يرخصون في الاشتغال بفرض كفاية قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به من سبب إلا أن الطب لا يتوصل به إلى تولي الأوقاف والوصايا وحيازة مال اليتيم، وتقلد القضاء والحكومة، والتقدم به على الأقران، والتسلط على الأعداء، فهيهات هيهات قد اندرس الدين بتلبيس علماء السوء إلى أن قال: لا ينبغي لطلب العلم أن يدع فنا من فنون العلم المحمودة إلا وينظر فيها نظرا يطلع به على مقصوده وغايته، ثم إن ساعده العمر، طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالاهم منه، واستوفاه، فإن العلوم كثيرة والأعمار قصيرة، وبعض العلوم ترتبط ببعض، وأقل ما يستفيده الانفكاك عن عداوة ذلك العلم، فإن الناس أعداء ما جهلوا. ا

. هـ. وصدر كلامه في فرض الكفاية قد ألم به خليل في الجهاد وشروحه فانظره.

وقد ذكر السعد في "المواقف" والبيضاوي وغيرها أن من فوائد بعثة الرسل تعليم الصنائع للناس قال تعالى في حق داود: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} ١ وفي حق نوح عليهما سلام الله جميعا {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} ٢ يقول مقيده عفا الله عنه: إن الفتور أصاب الأمم الإسلامية عموما حتى في العلوم اللغوية والدينية، وسببه الوحيد فيها هو الاختصار والتواليف التي لم تبق صالحة للتعليم، ولا مناسبة لروح العصر، والواقع في الفقه هو الواقع في النحو والصرف والبيان والأصول حتى إن صاحب "جمع الجوامع" لتمكن فكرة الاختصار منه ادعى في آخره استحالة اختصاره، وكل العلوم وقع فيها ذلك وما أصابها في علومها أصابها في صنائعها وتجارتها وفلاحتها، وكل باب من أبواب الحياة، وإذا أراد الله شيئا هيأ له الأسباب، فإن شاءت الأمة النهوض فلتبدأ باصلاح التعليم خصوصا اللسان وأقول: ليس بإنسان من لا قلم له ولا لسان، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.


١ سورة الأنبياء: ٨٠.
٢ سورة هود: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>