الداعية، إليه لجمعه من المسائل ما يندر أن يوجد في غيره، فربما تقع المسألة ولا توجد إلا فيه مع تحريره المسائل واتقانه، وتبيينه للمشهور المعتمد من القولين أو الأقوال.
أما المبتدءون والمتوسطون، فما أحوجهم للرسالة القيرواتية، وأمثالها وتقدم لنا ما هو أولى من ذلك كله من التمرن على الكتاب والسنة وكتب الإجماع والفقه القديم وبعد إملاء هذه الفكرة وقفت على مضمنها لملا كاتب جلبي في كتابه كشف الظنون طيب الله ثراه فانظر.
ولقد أرتأى السلطان سيدي محمد بن عبد الله إسماعيل هذا الرأي فأمر بترك تدريس المختصر، وألزمهم بالرسالة وأمثالها من كتب المتقدمين السهلة. لكن جاء ولده مولانا سليمان، فألزمهم الناس بالمختصر ثانيا، وأرى غير ما رآه الأول، فكان عمله هذا نظير ما عملت الدولة المرينية في ترك الاجتهاد وإلزام الناس بمذهب مالك والتاريخ يعيد نفسه، ولكن شتان بين العلمين والفكرين، وذلك كله تابع لتطور الأمم، وتطور الأزمان، ولله عاقبة الأمور.
وقال الإمام الغزالي في "الإحياء" عند ذكر العلوم: أما فرض الكفاية فكل علم لا يستغنى عنه في قوام الدنيا كالطب وإذا هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب، فإنه ضروري في المعاملات، وقسمة المواريث وغيرها، وهذه هي المعلوم التي لا خلا البلد عمن يقوم بها جرح أهل البلد، ولا تعجب من قولنا: إنها فرض كفاية، بل الفلاحة والخياطة والحجامة، والحياطة أيضا، ولو سألت الفقيه عن اللعان والظهار والسبق والرمي، لسرد عليك مجلدات من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور، ولا يحتاج لشيء منها وإن احتيج إليه، لم يخل البلد عمن يقوم به، ويغفل ما هو مهم في الدين، وإذا روجع فيه، لبس على نفسه وعلى غيره بأنه مشتغل بفرض كفاية، والفطن يعلم أنه لو كان غرضه أداء الأمر بفرض الكفاية، لقدم عليه فرض العين، وكثيرا من فروض الكفاية، لم يقم بها أحد، فأصبحت عينا، فكم من بلد ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة، ولا يجوز قبول شهادتهم إلا فيما يتعلق بالأطباء، من أحكام الفقه،