لنا ترجمته في المالكية، فإنه ذكر أنه قرأ الفقه بهذه المتون كلها وغيرها، وكذلك غيره من أهل ذلك العصر لقرب عهدهم بتأليف تلك الكتب وتداولها. وذلك محض تكرار ممل مضيع للعمر. أما نحن فقد صرنا خليليين بالمرة والحمد لله.
ومن الغريب في أحوال القرون الأخيرة أن النحو الذي لا تدعو ضرورة لإقامة أدلة على قواعده، افتعلوا له أدلة، فضخموه وصعبوه، والفقه الذي يتأكد بمعرفة أدلته، تركوها وضخموه بكثرة الاختصار، وكثرة المسائل النادرة، وإن إفناء العمر في المسائل النادرة التي تمضي الأعمار ولا تقع واحدة منها قليل الجدوى، وهي غالب ما زاده المختصر على "المدونة" على أن في "المدونة" من المسائل بل الأبواب النادرة الوقوع كثير وغير خفي أن الاشتغال في دراستها لمن ليس بحافظ، ولا يبقى على باله منها إلا القليل ضياع للعمر، فطلاب الفقه محتاجون إلى كتاب بين الصراحة واضح لا يحتاج إلى شرح جامع للمسائل الكثيرة الوقوع من كل باب دون الندارة أو المستحيلة، فبهذا تكون الدراسة والتعلم، وهذا الذي يفيد المبتدئين، بل والمتوسطين، وإن كثيرا من الناس تراهم يحفظون المختصر عن ظاهر قلب، وليسوا فقهاء، بل إذا احتاجوا في العبادة لمسألة راجعوا الشراح أو الفقهاء لعدم فهم ألفاظه إلا بشرح في كثير من أبوابه وتجد كثيرا من الناس فقهاء، ولا يحفظونه كما أن حفاظ القرآن نجدهم يحفظونه، وليسوا علماء لجهلهم بالنحو واللغة، وكم من فقيه لا يحفظ من القرآن إلا الضروري، لكن يدرك في عدم فهم القرآن علينا لتقصيرنا في تعليم اللغة التي نزل بها، ولكثرة التأويلات لتشعب الطوائف، والنحل أمن عدم فهم المختصر، فسببه هو المبالغة في الاختصار حتى صار لغزا لا يفهم ولو لعارف باللغة إلا بالشرح، فهو أصعب من القرآن ألف مرة وإني لا أنقص من قيمته، ولا أقول بتركه للمالكية العظام للفتاوي المقلدين لأنه ديوان وأي ديوان من دواوين المالكية العظام للفتاوي والأحكام، وقد أشار مؤلفه في أوله إلى أنه ألفه للفتوى لا للدرس حيث قال مختصرا مبينا لما به الفتوى، فلا يستغنى عنه ولا يترك، بل يدرس ويمرن عليه المنتهون ليستعينوا به في الفتوى والقضاء للحاجة