الألوسي في "جلاء العينين" ونحوه في "إعلام الموقعين" وأطال في ذلك.
وعمل الأئمة شرقا وغربا هو على ما قاله ابن عبد السلام، فلا تجد أهل مذهب إلا وقد خرجوا عن مذهب إمامهم، إما إلى قول بعض أصحابه، وإما خارج المذهب؛ إذ ما من إمام إلا وقد انتقد عليه قول أو فعل خفي عليه فيه السنة، أو أخطأ في الاستدلال، فضعفه مذهبه، قال المعتمر بن سليمان، رآني أبي أنشد شعرا، فنهاني فقلت له: إن الحسن وابن سيرين قد انشدا الشعر، فقال: أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن وابن سيرين اجتمع فيك الشر كله، فما من إمام إلا وقد خولف مذهبه في بعض مسائل إما دليل، وإما لضرورة أو حاجة، وهذه شهادة اللفيف التي جرى بها العمل وبيع الصفقة وغيرها من المسائل كلها جارية على هذا، كذلك القضايا الجارية على القول الضعيف، وبهذا تعلم أن ما فعلته، الدولة العثمانية من تأليف قانون يدعى المجلة طبع سنة "١٣٠٥" خمس وثلاثمائة وألف بالأستانة خارجة في بعض مسائله عن مذهب أبي حنيفة سالكة فيه قولا من أقوال أحد أئمة الإسلام، إما من الأربعة أو غيرهم ليس حائدا عن الصواب إذا كان على هذه الصفة.
وكان القصد منه ضبط نصوص الأحكام التي يتلاعب بها المفتون والقضاة بأنواع التأويل وتطبيقها على القضايا حسب الأهواء والشهوات والأغراض، حتى إن القضية الواحدة يحكم فيها القاضي اليوم بالإباحة، وغدا بالمنع، ويجد في النصوص فسحة وإجمالا تسوغ له الوصول إلى ما بيد الطالب للإباحة أو الطالب للمنع من غير حياء ولا احتشام.
وكم رأينا لهذا من نظير فإذا كان سن أمثال القوانين لضرورة اقتضاها الحال وروح العصر، فمن يقلد عالما لم يذنب، وهكذا ينبغي للأئمة أن يراعوا حالة الضرورات فيما تقضيه النظامات الوقتية، والأحوال العمومية لمجارات الأمم المتمدنة في مضمار الترقيات العصرية، وكثير من أحكام الشرعية لا سيما المعاملات والأحكام الدنيوية فيها مرونة مناسبة لحال التطور لإنبائها على أعراف