والمنتسب من سلم أصول إمامه، واستعان بكلامه كثيرا في تتبع الأدلة، والتنبيه للمآخذ، وهو مع ذلك مستيقن بالأحكام من قبل أدلتها قادر على استنباط المسائل منها، قل ذلك أو كثر، وإنما تشترط الأمور المذكورة في المجتهد المطلق يعني بقسيمه.
وأما الذي هو دونه في المرتبة فهو مجتهد في المذهب، وهو مقلد لإمامه فيما ظهر فيه نصه، لكنه يعرف قواعد إمامه وما بنى عليه، فإذا وقعت حادثة لم يعرف لإمامه فيها نصا، اجتهد على مذهبه، وخرجها من أقواله وعلى منواله.
ودونه في المرتبة: مجتهد الفتيا وهو المتبحر في مذهب إمامه، المتمكن من ترجيح قول على آخر، ووجه من وجوه الأصحاب على آخر. ا. هـ.
فقد زاد رتبة رابعة وهي المجتهد المنتسب كما علمت وهو دون المجتهد المستقل، فالمنتسب له القدرة على الاستنباط من نصوص الكتاب والسنة رأسا، آخذ بقواعد الإمام الذي انتسب إليه، مقلد له فيها ولا ضرر على الاجتهاد مع التقليد في بعض القواعد المتعلقة بمسألة اجتهد فيها كما قال ابن القيم وأبو إسحاق الشاطبي في "موافقاته" في مبحث أنه لا يلزم المجتهد في الأحكام الشرعية أن يكون مجتهدا في كل علم يتعلق به الاجتهاد على الجملة. قال في هذا المبحث: إن العلماء الذين بلغوا درجة الاجتهاد عند عامة الناس كمالك والشافعي وأبي حنيفة كان لهم أتباع أخذوا عنهم وانتفعوا بهم، صاروا في عداد أهل الاجتهاد مع أنهم عند الناس مقلدون في الأصول لأئمتهم، ثم اجتهدوا بناء على مقدمات مقلد فيها، واعتبرت أقوالهم، واتبعت آراؤهم، وعمل على وفقها مع مخالفتهم لأئمتهم وموافقتهم، فصار قول ابن القاسم أو قول أشهب أو غيرهما معتبرا في الخلاف على إمامهم كما كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن مع أبي حنيفة والمزني والبويطي مع الشافعي إلخ فانظره غير أنه في العدد ٨١ من الجزء الرابع تردد فيهم: هل بلغوا درجة الاجتهاد بإطلاق أم لا؟ فانظر وراجع ما تقدم لنا في ترجمة ابن القاسم من الجزء ٢ ونحوه لابن القاسم في "إعلام الموقعين" عدد ٤٤٣ من الجزء الأخير.