للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعتقدون الحق في أئمتهم قد انحصر، معتصبون لهم، وهو مجتهد، ووزراؤه مجتهدون وهو فرع ظريف ناشئ عن فكر لطيف، وإغاظة لقول بعض الحنفية إن الإمام المهدي يتمذهب بمذهبهم.

فانظر إلى هذه الهذيانات التي شغلت أفكار الأمة، وقد اقترح أبو سالم العياشي في رحلته أن لو اجتمعت لجنة من المذاهب الأربعة، وحررت كتابا لكل مذهب ببيان المشهور من أقواله تقليلا للخلاف، وأطال في ذلك الاقتراح، فانظره، ولكن ذلك زمان مضى بما فيه، وظهرت الأدلة واتضحت، تبين أن لكل وجهة، وفي كل متمسك، وما أبعد اتفاق المتفقهة أو اجتماع فكرهم حتى على ما هو المشهور عندهم، فالواجب علينا أن لا نسعى وراء توحيد المذاهب؛ لأنه أصعب شيء يعانيه المصلحون بل يجب أن نطرح التعصب، ونعتبر أن كل مذهب فيه صواب وخطأ لم يتعمده قائله، ولكن أداة إليه اجتهاده، ولم تتعين لنا ما هي مسائل الخطأ من الصواب في كل مذهب، وأن المخطئ معذور بالاجتهاد، مأجور على ما بذله من الجهود في إصابة روح التشريع واعتقاده صواب رأيه، ففي الصحيح عن عمرو بن العاص مرفوعا؛ "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد" ١ فلتطرح الأمة عنه التعصب، ولتكن مذهبا واحدا وهو اعتبار جميع المذاهب، والأخذ من كل مذهب بما يوافق الأدلة، ويناسب روح العصر، والوقت والحال والمكان والضرورة؛ لأن تقليد الضعيف عند الضرورة سائغ للجميع، ويروى "إن اختلاف الأمة رحمة" وإن كان الحديث ضعيفا٢ فاختلاف مذاهب الفقهاء مفيد لنا إذا كنا نريد أن ننهض متمسكن بالشريعة غير متعصبين للمذاهب والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والنهضة الحقيقية للأمة والفقه هي أن يوجد في الأمة فقهاء مستقلون في الفكر مجتهدون ويأخذون الأحكام من الكتاب والسنة رأسا، عارفين بهما معرفة كافية لكل خلاف وتقليد.


١ أخرجه البخاري "١٣/ ٣٦٨" في الاعتصام، ومسلم "١٧١٦" في الأقضية بلفظ "إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر".
٢ أورده نصر المقدسي في كتاب "الحجة" ولم يذكر سنده ولا صحابيه والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند قال السبكي: وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>