عبد الله المعيطي أنه جمع هو وأبو عمر الإشبيلي أقوال مالك وحده التي صدرت الفتوى عنه بها فكانت مائة جزء، ولذلك ملئت الدفاتر بما نقل عنه من الفقه بما كفى عن أقوال أتباعه في كثير من المسائل مما لم يرو عن الشافعي ولا ابن حنبل اللذين لم يعمرا كعمره، ولا حصل لهما من الشهرة ما حصل.
وقدمنا في ترجمة البيهقي من الشافعية أنه جمع أقوال الشافعي في إحدى عشرة مجلدة، فإذا نسبنا الفقه المروي عن الشافعي الذي هو أشهر فيه من ابن حنبل، كان نحو العشر من فقه مالك رحمهم الله، فكان يكفي من انتسب إليه أن يحفظ فتاويه مع أنه لهم اختيارات وإضرابا عن أقواله، فكم خالفه أشهب وابن القاسم، بل واللخمي والمازري كما في تراجمهم، وأقوالهم معدودة من المذهب، وكثيرا مما تتبع، ويترك نص الإمام لتبين حجتها، ورجحان دليلها، فلولا أن من بعدهم بلغ رتبة الاجتهاد ما رجحها وترك قول الإمام، والمتحصل مما تقدم أنهم لم يقطعوا بوجود المجتهد المطلق المستقل من رأس المائة الرابعة مع إمكان وجوده خلافا للنووي، وقال الحنابلة بعدم خلو الزمن منه إلى وقوع علامات قيام الساعة، أما المنتسب، ومجتهد المذهب، فقد علمت وجوده إلى المائة الثامنة، ويمكن وجوده، بل ووجود المجتهد المنتسب والمستقل الآن، لتوفر مواد الاجتهاد، والناس هم الناس، ولا مانع منه عقلا ولا شرعا بل يجب على علماء الأمة القيام بالاجتهاد المطلق المستقل؛ لأنه فرض كفاية كما قال ابن الصلاح وغيره، فأحرى مجتهد الفتوى.
قال الإمام السنوسي في شرح مسلم، عن أبي عبد الله بن الحاج: عجائب القرآن والحديث لا تنقضي إلى يوم القيامة، كل قرن لا بد أن يأخذ منها فوائد خصه الله بها لتكون بركة هذه الأمة إلى قيام الساعة، قال عليه السلام:"مثل أمتي كالمطر لا يُدرى أوله خيرا أو آخره" ١.
١ حديث صحيح: أخرجه أحمد "٣/ ١٣٠، ١٤٣" والترمذي "٢٨٧٣" عن أنس، وأخرجه أحمد "٤/ ٣١٩" عن عمار بن ياسر، وصححه ابن حبان، وأخرجه أبو يعلى عن علي، والطبراني عن ابن عمر، وابن عمرو.