للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سيدنا علي كرم الله وجهه كما في الصحيح: "لم يترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة، أو فهما أوتيه رجل مسلم"١ وقال الشيخ أبو مدين: للقرآن نزول وتنزيل، فأما النزول، فقد مضى، وأما التنزيل فباق إلى قيام الساعة وأما قوله:

لم يدع من مضى للذي غبر ... فضل علم سوى أخذه بالأثر

فإنها خيال شاعر ليست حجة عقلية ولا شرعية، أوجبها تأخر الأفكار الإسلامية وركونها للجمود، وقد قال فيه اليوسي في القانون: إنه لا أضر بالعلماء والمتعلمين منه، وتحجير لفضل الله الذي لم يوقت بزمان ولا مكان، ويقابلها قول الشاعر الذي صدقه الأوائل والأواخر:

كم ترك الأول للآخر

قال زروق في "قواعده" قاعدة: أن النظر للأزمنة والأشخاص لا من حيث أصل شرعي أمر جاهلي حيث قال الكفار: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} فرد الله عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} ٢ وقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} فرد الله عليهم بقوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ} ٣ فلزم النظر لعموم فضل الله من غير مبالاة بزمن ولا شخص إلا من حيث ما خصه الله به إلى آخر كلامه.

وقال أيضا: إذ حقق أصل العلم، وعرفت مواده، وجرت فروعه، ولاحت أصوله، كان الفهم مبذولا بين أهله، فليس المتقدم فيه بأولى من المتأخر، وإن كان له فضيلة السبق، فالعلم حاكم، ونظر المتأخرين أتم؛ لأنه زائد على المتقدم، والفتح من الله مأمول لكل أحد.


١ أخرجه البخاري "١/ ١٨٢" في العلم: باب كتابة العلم، وانظر مسلم "١٩٧٨"، "٤٥" و"١٣٧٠".
٢ سورة الفرقان: ٣٣.
٣ سورة الزخرف "٢٣، ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>