إن نسبتي الاستبداد لمعاوية معناه: أنه ترك مجلس الشورى الذي كان يجمعه أبو بكر وعمر إذا نزلت معضلة، كقضية السرقة هنا، وهذا الاستبداد كلمة إجماع من المؤرخين، وقد نسبوا ترك الشورى لعلي وعثمان قبله إلا في قليل من الأحوال، وكم من مستبد يكون عدلا، وكذلك كان هؤلاء السادة كلهم فلا ننقص أحدا منهم رضي الله عنهم أجمعين، والاستبداد اقتضاه اجتهاده أيضا وهو مخطئ فيه بلا شك، وخطأ المجتهد لا وزر عليه فيه، كما أخطأ في اجتهاده حيث اغتصب الخلافة، وهذا مصرح به عند أئمة السنة والمؤرخين، وأخطأ في قلبها من الخلافة إلى الملك والعصبية وفي استئثاره ببيت مال المسلمين وغير ذلك مما كان مبدأ للمصائب التي حدثت بعد، والتاريخ لا يحتشم من أحد بذكر أعماله، وكلهم عن اجتهاد.
وجماع القول: إن معاوية مجتهد عدل كبقية الصحابة يخطئ ويصيب، وانتقادي له في عدم العمل بحديث أسيد لا يخرج عن ذلك، وما يرد علي في ذلك وارد على أسيد نفسه الذي لم يطعه، والقياس الذي اعتذرتم به إذا كان في مقابلة النص كما هو في قضية أسيد، كان فاسد الوضع، فلا ينهض عذرا كما هو مقرر في الأصول، وقد بين الأئمة ذلك لما تكلموا على قوله تعالى:{قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ١ فإن الكفار قاسوا الربا على البيع؛ إذ الكل معاملة، فرد الله عليهم بأنه قياس في مقابلة النص.
وأما تقديم القياس على الحديث، فليس أصلا في مذهب مالك، وما وقع