للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للآمدي في "الأحكام" من نسبة ذلك له، فلا أسلمه، واغتر به القرافي في "التنقيح" كما غره بعض فروع في المذهب، كترك مالك للعمل بخيار بيع المجلس١ ونحوه، وليس بواضح، فمالك ترك حديث خيار مجلس لعمل المدينة الذي هو خبر جماعة عن جماعة، فهو أقوى من الحديث وليس فيه تقديم القياس على السنة النبوية أصلا، ومالك نفسه صرح في "الموطأ" بالعمل خلا فما وقع لكم في المراجعة الثانية من أنه قدم القياس، وكل فرع في المذهب أوهم ذلك لو حققته، لوجدت مالكا إما لم يقف على الحديث، ومن ذا الذي يحيط بالسنة، ولذلك يخالفه أصحابه فيرجعون للحديث وإما قدم العمل، أو ظاهر القرآن كـ "أكل كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير" ٢ إذ ظاهر القرآن عنده مقدم على خبر الواحد الصريح الصحيح ما لم يعتضد بالعمل نعم مالك يخصص الحديث بالقياس بل وبالمصالح المرسلة، وكل ذلك بينته في الجزء الثاني لما تكلمت في ترجمته على أصول مذهبه، والفرق بين التقديم والتخصيص ظاهر.

وأما قول ابن العربي في "العواصم": يرد الأحاديث جماعة منهم مالك في مواضع تعارضها أصول الشرع. ا. هـ. فمراده بالأصول العمل، أو ظاهر القرآن على ما سبق لنا من التفصيل فيه، أما القياس فحاشا مالكا ولا أبا حنيفة أن يردا حديثا صحيحا عندهما سالما من العلة والمعارض الأقوى بالقياس الذي هو رأي لهما مع ما في القياس من احتمالات النقض والفساد المبنية في محلها من "أحكام الآمدي" وغيرها" لأنه يكون فاسد الوضع، وقد حكى الشافعي الإجماع على أن من استبانت له السنة لا يجوز له أن يتركها للرأي، وثبت عن أبي حنيفة أنه عمل


١ أخرج مالك في الموطأ "٢/ ٦٧١"، والبخاري "٤/ ٢٧٦"، ومسلم "١٥٣١" عن عبد الله عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار".
٢ أخرجه مسلم في صحيحه "١٩٣٤" في الصيد والذبائح من حديث ابن عباس، وأخرجه أيضا "١٩٣٣" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ "كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام" وأخرجه البخاري في الذبائح باب أكل كل ذي ناب من السباع، ومسلم "١٩٣٢" من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع.

<<  <  ج: ص:  >  >>