للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على النافي، وهؤلاء كلهم من أعيان المحدثين الحفاظ الكبار، وعلماء الرجال، فلا أرى بدا في أداء الأمانة من نقله، وأنتم تعلمون أن الإمام مسلما لم يشترط في صحة الحديث اللقي، واكتفى بالمعاصرة؛ لأنها مظنة اللقي، وأن معاصرة أبي حنيفة لبعض منهم لا شك فيها.

أما ما ذكر الشيخ رصد في تاريخ الأزهر من لقيه ٢١ صحابيا، فقد أعطيته ما يستحق بقولي وهو من عهدته، ولا أقدر أن أزيد، وأما قولكم: وقد ثبت أنه لم يرو إلا سبعة عشر حديثا، فدون ثبوت ذلك خرط القتاد كيف يقال: إن إماما يقتدي بأقواله نحو نصف الأمة الإسلامية لا يروي إلا هذا العدد، ولو كانت الإمامة تنال بهذا النزر من السنة، لسهل ادعاؤها على كل مدع، ولما استصعب الأئمة وجود المجتهد المطلق من آخر القرن الرابع؛ لأن الأصل الأول الذي ينبني عليه الاجتهاد هو الكتاب والسنة، والمجتهد لا بد أن يكون حافظا جهيرا للسنة كما قال الدهلوي في "عقد الجيد" ولو على سبيل الكمال، وبعيد كل البعد أن لا يكون أبو حنيفة نال هذا الكمال، واقتصر من رواية السنة على سبعة عشر حديثا ومع ذلك تبعه، وأخذ بمذهبه جمهور الأمة، وترك مذهب من يروي مئات الآلاف من السنة.

وعلى الإجمال فهذه المقالة التي حكاها ابن خلدون في "المقدمة" بلفظ: يقال ثم كر عليها بالإبطال، وقد أشرت لشيء من ذلك في الصفحة ١٢٣ ج٢ وأرى أنها مجازفة لا ترتكز على حقيقة إلا لو ثبت أنه أخبر ذلك عن نفسه ومثلها قولهم: فلان يحفظ ألف ألف حديث. وانظر كم مدة تمكث في سرد صحيح البخاري الذي به نحو أربعة آلاف حديث بالمكرر وغيره، فأي زمن يكفي لحفظ هذا العدد، ثم لروايته ونشره وأصحاب المبالغات دائما بين إفراط وتفريط.

وأما قول الباحث: إن الكوفة لم تكن دار حديث، ولا نزلها من الصحابة عدد له بال، فهو غير محرر، ففي الصفحة ٨٨ من الجزء الأول من "الفكر السامي" بينا أنها كانت في صدر الإسلام دار علم، وانتقل أعلام الصحابة إليها

<<  <  ج: ص:  >  >>