وإلى البصرة والشام أليس ابن مسعود الذي قال فيه عليه السلام:"اهتدوا بهدي ابن أم عبد" ١ انتقل إليها معلما وهاديا زمن عمر، ومكث بها إلى آخر خلافة عثمان. وكذلك عمار وأبو موسى، وسعد بن أبي وقاص، والمغيرة وحذيفة، ثم علي لما استخلف، وابن عباس وغيرهم، وقد مكث علي فيها أربع سنين وأشهرا.
قال ابن حزم: أجمعت الأئمة والمؤرخون أن من انتقل لأرض انتقال استقرار لم يرحل عنها رحيل ترك سكناها، نسب إليها فإن ذكروا الكوفيين من الصحابة، صدروا بعلي وابن مسعود وحذيفة، نقله في "نفح الطيب" عدد ١١٣ طبع أوروبا، وكفى بالكوفة شرفا باب مدينة العلم، وابن أم عبد وصاحب سر رسول الله، ومن ذكرنا معهم على أني أعلم أنها دون المدينة في ذلك كله حسبما قررته في الصفحة ٨٩، وما بعدها. هب أنها لم تكن دار علم، فلا يلزم منه عدم معرفة أبي حنيفة بالحديث، ولا ينقص من قدره لإمكان أن يدركه بالرحلة، ويكون ذلك زيادة رفع، له وأما قول الباحث إن سبب عدم رواية الحديث عن أبي حنيفة هو عدم معرفته به، وإلا لزم الطعن في عدالته، فاللزوم في هذه القضية الشرطية ليس بعقلي ولا عادي ولا شرعي؛ إذ حصر ذلك بسببين: الجهل أو عدم الثقة لا يسلم أيضا فكم من حافظ ثقة لم تنتشر روايته لاشتغاله بغيرها، يمكن أن يكون أبو حنيفة اشتغل بالفقه وقصد له دون الحديث، وأنتم ذكرتم سببا ثالثا وهو أن الكوفة لم تكن دار علم على ما فيه، أو يكون هو نفسه يتحرى رواية الحديث تورعا كما كان يفعل الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم، كانوا ملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم، وحضروا المشاهد ولم يرو عنهم إلا اليسير بالنسبة لما روى غيرهم، ولم يلازمه ملازمتهم كأبي
١ أخرجه الترمذي "٣٨٠٧" من حديث ابن مسعود بلفظ "وتمسكوا بهدي ابن مسعود" وفي سنده يحيى بن سلمة بن كهيل وهو ضعيف وروى الترمذي "٩٣٨٠٩" بسند صحيح، عن حذيفة قال: كان أقرب الناس هاديا ودلا وسمتا برسول الله ابن مسعود حتى توارى منا في بيته، ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفى، وأخرجه البخاري "٧/ ٨٠" في المناقب مختصرا ولفظه: ما أعرف أحدا أقرب سمت وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد.