للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذهب الجمهور أن الإجماع حجة في الدين، متعبَّد به، تثبت به الأحكام كما تثبت بالنصوص الشرعية.

وأنكر الإمام أحمد، وداود الظاهر الإجماع في زمن التابعين وقالا: إنما الحجة في إجماع الصحابة، وقد روي عن أحمد أنه قال: من ادَّعى الإجماع فهو كاذب. نقله في أعلام لموقعين وعن الشافعي ونحوه١ وكيف يتأتَّي اعتراف الكافة, وهذا لم يكن إلّا فيما يسمَّى علم الكافة؛ كالعلم بأن الصلوات المفروضة خمس، والصبح ركعتان، أمَّا ما هو من قبيل علم الخاصة الذي لا يعرفه إلّا العلماء فقلَّ أن يتيسر ذلك، وكيف يتيسر الصدق لمن يقول في مسألة واحدة: إن المجتهدين اتفقوا فيها على حكم واحد، اللهم إلّا إذا كان في صدر الإسلام لما كانوا مجتمعين في المدينة أو الحجاز، ولهذا قال ابن عرفة: كل من حكى إجماعًا في مسألة فهو رهين نقله؛ إذ لا بُدَّ لمن ادعاه من أمور ثلاثة:

١- ثبوت وجود مجتهدين يتفقون على الشيء المجمع عليه.

٢- الإحاطة بمعرفة جميع علماء الإسلام المنتشرين في الأرض كلها مع اتساع خطة الإسلام التي لا يمكن معها ذلك.

٣- ثبوت نصهم في المسألة أو سكوت من سكت اختيارًا أو إقرارًا؛ بحيث لا مانع من الإنكار.

ودون واحدة من هذه الثلاثة خرط القتاد، انظر معاوضات المعيار، وبذلك كله تعلم مجازفة قول صاحب العمل الفاسي في صيد بندق الرصاص:

أفتى بذلك شيخنا الأواه ... وانعقد الإجماع من فتواه

وأمثاله كثير في كتب المتأخرين فاحذره، نعم, الشافعي يرى أن الحجة في الدين أن ينقل الحكم عن السلف ولا يعلم أنهم اختلفوا فيه، وهذا ليس بإجماع حقيقة, ولا يسمَّى به, ولكن رآه حجة لأنه إجماع سكوتي، والحنفية يرون أن الإجماع السكوتي حجة, وهو أن يجيب واحد من المجتهدين ويسكت الباقي, ولا مانع من الإنكار، وفيه اثنا عشر قولًا، انظر جمع الجوامع٢، وقد أشار


١ أعلام الموقعين "ج٢/ ٢٤٧".
٢ انظر حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع "٢/ ١٩٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>