قوته عنده، فجمع حسن، ولكن قوته في ظنه لا تستلزم قوته عند غيره ولا صوابيته في نفس الأمر إلا إذا قلنا بتصويب المجتهدين وقد علم ضعفه، وأيضا رواية مجهول الحال لا مجهول العين مقبولة عند الحنفي وهي من قبيل ما يسمى عنده بالصحيح أو الحسن، وعند غيره غير مقبولة، ومن قبيل ما يسمى بالضعيف، فعاد الخلاف كما هو، وإنما الخلاف هل نقول: إن الحنفي يعمل بالضعيف؟ فالجواب: نعم يعمل بما يسميه غيره ضعيفا، وهو رواية مجهول الحال، ويسميه الحنفي بما شاء، والمالكي لا يعمل به، ويسميه ضعيفا، فلم يبق ثم من فائدة ولا أفاد الجميع في رفع الخلاف شيئا.
وبهذا تتحلل العبارة التي ذكرتم وهي أن الضعيف ليس طريقا لحصول الظن، فهي عبارة ذات وجهين وتحقيقها: أن من اعتقد ضعف حجة لم يحصل له بها الظن، ومن اعتقد صحتها وقوتها، حصل له الظن.
وأما قولكم: إن ما في صفحة ٣٥ والصفحتين بعدها من اختيار الحنفية للأقوى والأعرف ينافي ما سبق، فليس في صفحة من الصفحات المذكورة لفظ الأقوى، وإنما فيها أن أبا يوسف أخذ بالأعرف والأعرف الأشهر، ولا أظن أحدا يفهم منه الأقوى إذ القوة تعتبر بصفات الرجال والشهرة بالكثرة فلا مخالفة.
وأما قول ابن خلدون بتشديد أبي حنيفة في الرواية، فلعل مراده من حيث اشتراط الشهرة لا الأقوى بدليل نص "جمع الجوامع" الذي قدتموه.
وأما تعقبكم على ما حكاه ابن خلدون من المبالغة في قلة رواية الإمام أبي حنيفة فوجيه جدا وإليه أشرت في الصفحة ٣٤٤ ج١ لكن ابن خلدون نفسه لم يرض بما ذكر، وإنما نقله بلفظ:"يقال" ثم أتى بما هو في المعنى رد له، وأما حديث "أيما امرأة نكحت نفسها" الحديث، فقد صححه يحيى بن معرفة وغيره من الحفاظ كما قال الحافظ ابن كثير، ونقله في "سبل السلام" وعدم معرفة الزهري لا تضره، فكم من حديث لم يعرفه هو أو مالك وهو صحيح، والإحاطة ليست إلا لله، وهذا عمر بن الخطاب لم يعرف حديث الطاعون حتى رواه له عبد الرحمن بن