الأمر والواقع، ولكن لا يقول بالنسخ إلا بعد رجحانه عنده، وثبوته في ظنه، ولا خصوصية في هذا للنسخ، بل تخصيص العام، وتقييد المطلق وما شاكل ذلك من وجوه الاستدلال في محل الخلاف كذلك، فإن لم تثبت في نفس الأمر، فهي ثابتة في ظن المجتهد للمرجع الذي عنده، قال أبو إسحاق الشاطبي في "الموافقات عند الكلام على أصل مالك من اتباع العمل وتقديمه على الخبر ما نصه: وهذا ظاهر في أن العمل بأحد المتعارضين دليل على أنه الناسخ للآخر؛ إذ كانوا يأخذون بالأحدث وأعجزهم أن يعرفوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي عن ابن شهاب أنه قال: أعيي الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه، وهذا صحيح، ولما أخذ مالك بما عليه الناس، وطرح ما سواه، انضبط له الناسخ والمنسوخ على يسر والحمد لله.
وجوابه:
ظاهر من زيادة الباحث لفظ عنده وفي ظنه ومرادي من نفي ثبوت النسخ بقول المجتهد تبعا لابن الحصار أنه لا يثبت حجة على غيره، فانتفى الإشكال. وقد حكى الآمدي في "الإحكام" الإجماع على أن قول الصحابي في مسائل الاجتهاد لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين، فكيف بغيره، ولا يخفاكم أن من ادعى نسخ آية من كتاب الله، فقد أبطل العمل بها وبما شرعته للأمة، وأزال حكمها، وهذا مقام صعب لذلك اشترط العلماء في قبول القبول بالنسخ شروطا عشرة قررت في محلها، ولهذا قال الزهري: أعيى العلماء أن يعرفوا الناسخ والمنسوخ إلخ ما سبق لكم.
ونظير ما قررنا عمل أهل المدينة الذي استدللتم به تبعا للشاطبي على ثبوت النسخ، فإن مالكا يقدم العمل على خبر الواحد، لم تقدم لنا في مبحث العمل المدني في أصول مذهب مالك من كونه خبر جمع عن جمع وهو أقوى من خبر واحد عن واحد، ولكون أهل المدينة كانوا يشاهدون الأخير من أحواله عليه