للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإفتاء من بعض علماء العصر بتحريمها قياسا على حديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر١ مع أنه لا بيع فيها ولا معاوضة، وإنما هو شيء تافه يدفعه الإنسان كتبرع لشركة تضعه في صندوقها الذي هو كصندوق احتياطي، ثم تكون لمزمة بالتعويض على الدافع إذا أصابته كارثة مقابل ما أخذته منه، فشبهها بالتبرع أقرب وأقوى من شبهها بالبيع. والغرر المنهي عنه في الحديث هو في البيع خاصة لا في التبرع، بل اختلف الأصوليون في نحو نهي عن بيع الغرر هل يعم كل بيع غرر أو هي قضية عين لا عموم لها؟ وعلى العموم استثنوا من البيع الغرر اليسير، فإذا كان يسيرا كما في السكرتاه، فهو جائز، فإن الذي يعطي فيها يسير بالنسبة لرأس المال، غير مجحف، فكأنها عندي جمعية اكتتابية خيرية لإعانة المنكوبين بنظام والتزام تأخذ من ألف رجل شيئا قليلا ما تعوض به نكبة رجل مثلا، واستنباطها من قاعدة القليل في الكثير كثير. ولذلك يبقى لها ما يقوم بأجرة قيامها على ذلك، وربما ربحت أرباحا عظيمة إذا قلت نكبات المضمونين فيها، وعلى كل حال هي معاملة عمت بها البلوى لاتساع نطاق الأعمال التجارية والصناعية والزراعية برا وبحرا، ولا تخلو مملكة في العالم من هذه المعاملة ولا يستغني عنها فيما أظن، فكيف بنا إذا شيد مسلم معملا كهربائيا أو نسيجيا مثلا، ومنعناه من عمل الضمان عليه، فيأتي من يغار من مزاحمته فيغري من يرميه بقنبلة، فيصبح مفلسا، وينفرد مزاحمه بالأرباح، ولو كان مضمونا ما ضاع له شيء، بل ربما ربح، فلا شك أننا بهذا التضييق نكون أهلكنا ثروة الإسلام، ووضعنا المسلمين تحت أسر غيرهم؛ إذ لولا عملية الضمان ما بقيت شركة تجارية مهمة، ولا معمل ولا مراكب بحرية أو نحوها إلا وأصيبت بكثير من النكبات فاضمحت شركاتها ومنافعها العامة وكيف تكون أمة ماجدة في هذا العصر خالية اليد من هذه الأمور إذن تكون مستبعدة لغيرها، واستقلال الأمم الحقيقي في هذه الأزمان لا يكون إلا باستقلالها اقتصاديا


١ الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة بلفظ: نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر، أما بيع الحصاة، ففيه صور كما قال النووي وغيره، منها أن يقول: بعت لك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهيت إليه هذه الحصاة وبيع الغرر: كل بيع فيه خطر. كبيع الآبق والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، فيكون من عطف العام على الخاص. ا. هـ. "مؤلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>