للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل، فيخمس، نعم كل إمام ظهرت له مصلحة إعطاء السلب للقاتل له ذلك قياسا على فعله عليه السلام، فيخرج من الخمس وحمله الشافعي فاعتبره تبليغ حكم شرعي، فهو عام للأمة فلا يحتاج لإذن الإمام بعد حيث تقرر حكما شرعيا إلهيا عاما أبديا، ولا يرجع سلب الغنيمة ولا يخمس أصلا.

ومن ذلك حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأنسية١ فقد حمله بعض الأئمة على أنه ليس تعبديا، بل منع خاص من الإمام لمصلحة قلة الظهر في غزاة خيبر يعني فإذا كثر وأمنت مفسدة قلة الظهر، رجعت الإباحة، فالنهي إنما كان لأمر دنيوي، ودفع مفسدة وقتية يتغير بتغيرها.

وحمله الجمهور على أنه حكم تعبدي إلهي لا يتغير؛ لأنه متعلق بالأكل الذي هو أدخل في باب العبادة من غيره بدليل أنه أكفأ القدور ولم يؤكل ما كان بها من اللحم، وأمر بكسرها، ثم خفف، فأمر بغسلها فاعتبره نجسا وأمثال هذه كثير لمن يتبع أقوال العلماء المتبصرين من المتقدمين، وينظر فيها نظرا ناقدا نافدا.

قال عز الدين بن عبد السلام: السياسة الراجعة لأمور الناس، والمصالح العامة من أفضل الأشياء؛ لأن فيها جلب مصالح ودرء مفاسد. ا. هـ. نقله المسيلي في تفسيره لدى قوله تعالى: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} في سورة ص الآية: ٣٥.

وهكذا يمكن أن يقال في كل حكم تبين لنا بالدليل الصحيح أن حكمته دفع مفسدة دنيوية أو جلب مصلحة لا دخل للتعبد فيها، وهذا خلاف ما نقلتم عن صاحب الموافقات الشاطبية من تضييقه بإدخال التعبد في كل الأبواب، لكنه لم يأت ببرهان يساعده على دعواه كما يعلم بالمراجعة وفي المجلد الثالث من إعلام الموقعين عدد ٢٧ ما نصه: فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.


١ أخرجه البخاري "١٢/ ٧٤" في الذبائح: باب لحوم الحمر الأنسية، ومسلم "١٤٠٧" من حديث علي رضي الله عنه، وفي الباب عن ابن عمر والبراء وابن أبي أوفى وهي في الصحيحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>