هذا فصل عظيم النفع جدا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلا رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل للجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، ثم ساق شواهده على ذلك وأطال النفس بما يشفي الأنفس فانظره.
ولقد نعى على الفقهاء الجامدين أكبر نعي كالقائلين بلزوم أن يقول البائع بعت والمشتري اشتريت، والمتعاقدان في النكاح: نكحت وأنكحت بالعربية ولو كانا من الفرس، أو البربر لا يعرفان العربية ولا يفقهان معنى ما نطقا به من تجويزهم قراءة القرآن بالفارسية، وتكبيرة الإحرام بها إلى غير ذلك، وكل هذا إما من الجمود على الألفاظ وعدم الالتفات إلى المعاني المقصودة من الأحكام، وإما من الإغراق في القياس والغفلة عن نصوص الشريعة ومقاصدها، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.