نفع ولا ضرر يصل لذاته فلا يصح أن يقال: إن ذلك غرض أو علة، فليلزم الترجيح بلا مرجح، وإن لم يستويا بالنسبة إليه، كان فعله للأولوية، فيلزم الاستكمال لأن معنى كونه غرضيا أو علة هو أنه مقصود ومراد له تعالى، أي توجهت إرادته إليه من غير أن تكون فيه مصلحة لنفسه تعالى، ومثل ذلك قد يحدث لأمثالنا إليه من غير أن تكون فيه مصلحة لنفسه تعالى، ومثله ذلك قد يحدث لأمثالنا والله منزه عن التمثيل، فإنا قد نواسي ونحسن لمن لا منفعة لنا فيه، ولا نرجو منه ثناء ولا ثوابا ولا غرض لنا أصلا سوى الرحمة والشفقة لا سيما إن كان في معرض الهلاك لولا تلك المواساة.
وفعل الله الذي هو غني عن العالمين وهو الرحمن الرحيم بهم كيف لا يكون كذلك، وأي استحالة في هذا، وأي نقص يتصور فيه، قال سعد الدين في شرح "المقاصد": الحق أن تعليل أفعال الله تعالى سيما الأحكام الشرعية بالحكم والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك، وأما تعميمه بأنه لا يخلو فعل من أفعال عن غرض، فمحل بحثه ومراده بالتعليل هو ما بيناه آنفا، فلا يرد بحث الدواني معه، ولله در سعد الدين حيث اعترض جعل القضية كلية، فإنا نعلم أن خلود أهل النار في النار من فعل الله، ولا نفع ولا مصلحة فيه لهم فيما يظهر، ولو كان الحق لا يصدر عنه إلا ما فيه مصلحة العبيد لما أوجد الكافر الفقير المعذب في الدنيا والآخرة؛ إذ العدم أصلح له بلا شبهة. وعلى كل حال أن الغرض والعلة الغائبة والباعث، الصواب نفيه عن جانب الربوبية لإشعاره بالنقص تعالى عن ذلك.
أما قصد حصول الحكم والمصالح بالنسبة للعبيد من أفعاله تعالى وأحكامه، فلا محذور فيه، وليس هو بكلي في كل فعل فعل، ولا في كل حكم حكم من أحكام الشريعة على القول بإثبات التعبدي، وذلك على سبيل التفضل والمنة لا الوجوب. وانظر المجلد الثاني، من "إعلام الموقعين" عدد ٢٣ وما بعده، ولا بد.