تنبيه: وها هنا دقيقة وهو أن بعض المحققين يقول: إن الله فاعل بنوع أشرف من الاختيار، وذلك النوع لا اسم له عندنا لأنا إنما نعرف أسماء ما عهدناه، والناس إذا عدموا شيئا عدموا اسمه، وخواص الخواص معدومة الأسماء، ونحن نحسن بمعانٍ جمة، وفوائد كثيرة لا نستطيع صرفها عن أنفسنا، ونعجز أن نسميها باسم يؤديها تماما، ونعتاض عنها بإرشارات وتشبيهات تقوم مقام الأسماء الفائتة، وقد صح البرهان أن فعل الله تقدس ليس باضطرار؛ لأن هذا نعت العاجز، وليس باختيار أيضا لأن في الاختيار معنى قويا من الانفعال يعلم هذا من ألف شيئا من الفلسفة فلم يبق إلا أنه فاعل بنحو عال شريف يضيق عنه الاسم والرسم كما أنه لو قال لك قائل: لم عبرت عن الله بالتذكير دون التأنيث لما كان عندك إلا أن تقول: هذا ما أقدر عليه، وليس عندي اسم يحضرني سواه.
وأكثر ما أمكنني أنني لم أنعت بنعوت الإناث، والتذكير والتأنيث يوجدان فينا وبهما أشبهنا سائر الحيوان، وهما منفيان عن الله من كل وجه وكل وهم، كما أن قولنا: يفعل الله لا يصح معناه في الباري؛ لأنه عبارة عن انفعال الأشياء إليه؛ لأن الأشياء له، وكلها مشتاقة ومتوجهة إليه، مستأنسة به، وأنت تعلم أنه لا فاعل إلا ويعتريه نوع من الانفعال في فعله، لذلك لا منفعل إلا ويعتريه نوع من أنواع الفعل في انفعاله إلا أن الفعل في الانفعال خفي جدا، وبالعكس الانفعال في الفعل.
لذلك لا يطلق على الفاعل إلا الاسم الأخص له، فظهر أن قولنا: فاعل مختار فيه نوع من المجاز في الكلمتين حكمت به العادة، وضيق اللغة. هذا تحرير القول في هذه المسألة، وإذا ظفرت به فاحتفظ بألف مغنم.