جيش عرمرم، فانتقيتم منه كل حامل راية، ومن لا تدرك لكفايته غاية، فلا يتمالك الناظر المنصف أن يظهر إعجابه وبهته واستغرابه، من استقصائكم لأولئك الأساطين العظام، الذين بأسفار تواليفهم بنيت قبة الإسلام في العصور الذهبية، وبأفكارهم وأقلامهم اتسعت دائرة معارفنا، وازدهت مكتباتنا، وافتخرت أجيالنا، غير أنكم اعتنيتم بحفاظ الحديث، وبالخصوص الشافعية منهم، وبفقهاء المالكية وعلى الأخص المغاربة منهم والفاسيين، ولكن الفقه مرتبط بالحديث ارتباط الفرع بأصله، والمرء لا يلام على اهتباله بوطنه ومذهبه، وكل فتاة بأبيها معجبة ولا بأس أن ينبه جنابكم آخر الكتاب على وفاة القفال الكبير الذي لكم في الصفحة ١٢٩ ج٢، فإن السخاوي في كتاب "إعلان التوبيخ" ذكر أنه توفي سنة ٣٦٥ خمس وستين وثلاثمائة.
وهذا علم التاريخ السياسي قد أبان ما لخصتموه منه أول أطوار الفقه استحضاركم لتاريخ سلفكم الطاهر استحضار الإمام الراتب لفاتحة الكتاب، مكتفين بإعجاز الإيجاز عن الإطناب.
نعم ربما وقع الخروج عن موضوع الكتاب في بعض المناسبات كإدماجكم تاريخ اللغة العربية في أربع ورقات من الجزء الثاني، وتاريخ علم التصوف في ثمان ورقات من الثالث، وكان يكفي الإحالة على كتبهما إذ الكل علم مستقل، فلئن تجنبتم أول الكتاب ذلك النقاب، فقد وقعتم في الإسهاب.
على أنكم قد أبدعتم إبداعا فيهما، ولا سيما في تاريخ التصوف، فلقد أتيتم بما لم نره لغيركم، ولا سقطت عليه قريحة سواكم وهما تأليفان مهمان أدرجتموهما إدراجا، ودبجتموهما أحسن تدبيج، وما أحسنهما لو استقلا بإطلاق، لا كاستقلال مصر والعراق، وتكفيكم الإجادة عذرا، ولكن إياكم وما يعتذر منه.
وهذا علم الحديث، فلقد تتبعت ما دللتم به من السنة النبوية، فما رأيتكم أتيتم بحديث إلا وبينتم مخرجه وحالته صحة وإعلالا مستقصين ما لعظماء الفن