الإجارات، وصاروا إلى أحكام عرفية، والمجالس التجارية، ومجالس الجنح والجنايات منابذين للشريعة جهارا وربما تولى تلك الأحكام من يزعم أنه من علماء الشرع الإسلامي، ولم يبق راجعا إلى القضاء الشرعي إلا القليل قد يندثر مع الزمن لا قدر الله على أن هذا القليل ما علمت من قال وقيل.
فلأن نجعل تعديلا لأحكام اجتهادية تغيرت الأحوال، فلزم تغيرها، ويبقى الدستور شرعيا اسما ومسمى خير من أن يصير وضعيا، ونصبح منابذين لشريعة الإسلام كليا، ولا شك أن جمود الجامدين هو موت الشريعة اللزام؛ إذ طبيعة الجمود هو الموت الزؤام.
فلله أبوكم ما أدق نظركم، وأوسع في مجال المصالح الشرعية فكركم.
إن ما أرشدتم إليه من دواء لهو الإصلاح النافع، وكيف لا وقد صدر من قلم طبيب منور نطاسي ماهر، عالج المسألة التعليمية طيلة السنين، وعرف داءها الدفين، وكشف بالكاشف الحديث مكامن الداء كشف حكيم غيور صادق، وأرشد إلى الدواء إرشاد يقظ وامق، غير مكترث بقال ولا غال ولا منافق، وهكذا كان أصحاب العقول الكبيرة من علماء وفلاسفة يهتمون بأمور الأمة، ويعالجون داء أهل الملة، وكثير منهم لم يبلغوا ما بلغت، ولا نقبوا على ما نقبت، فحملوا على الرءوس. وفدتهم أممهم بالنفوس، والله المسئول أن ينبه الأفكار الإسلامية لاتباع إرشادكم، ويثيبكم بما أثاب به المصلحين إنه ولي ذلك.
سيدي الشيخ إن فكركم السامي هو عنوان النهضة العربية بالديار المغريبة كما قال عنه المجمع العلمي العربي بالشام، وحسنة من حسنات هذه الأيام، تكفر عن سائر الأعوام، وبرهان قاطع على أن المغرب الأقصى احتفظ بنخبة الأعلام، الذين يخدمون الملة بالقلوب والأحلام والألسن والأقلام، ويستجلى بفكرهم السامي حالك الظلام، فلو وقف عليه أبو الوليد الشقندي ما فضل أندلسه على العدوة، ولا صدرت منه تلك الهفوة.