بيد أنكم أجملتم إجمالا في المذهب الزيدي والشيعي مع أن هذا مذهب أمة من أرقة الأمم الإسلامية ولكن بعد الدار أبديتم به أقرب الأعذار، كما أنكم أغضيتم عن مذهب الإباضية إغضاء الحليم عن المجرم وهو مذهب منتشر بجواركم في جنوب الجزائر، ويقول البعض: إنه موجود بالمغرب أيضا، كما أنه مذهب أمارتي مسقط وزنجبار، ولهم فقهاؤهم وكتبهم وفروعهم وأصولهم، ولا بدع أن أجبتم بقول الشاعر:
وليس كل خلاف جاء معتبرا
إلخ.
هذا وأما الفن الذي أسستم قواعده، وشيدتم في عواصم العلوم هياكله ومشاهده، وابتكرتم أصوله، ومهدتم فروعه بمهارة نادرة في استنباط مسائله، وإفحام سائله، واستخراجكم لأطواره من حياة أبطاله، فذلك اتفق على إحسانكم فيه كل الإحسان، كل إنسان بكل لسان، والبرهان العيان، وما بعد العيان بيان.
وإما إرشادكم إلى تجديد الفقه، وإحياء طرق الاجتهاد بإصلاح الدراسة، وتأليف كتبها الفقهية والعربية، وإحياء معاهد الفتوى والقضاء إلى أن تعود لما كانت عليه في الصدر الأول، فذلك شأن المصلحين البارعين المفكرين بمفكرة واسعة، والناظرين إلى مستقبل الملة بالمنظار الصافي من كل كدر عن ذوق صحيح وغيرة حقيقية، وإن ذلك كله لحقيق بكل إعجاب وإكبار.
وسيدي ولا يهولنكم ما قد يورده الجاحدون من كون الدواء الذي أرشدتم إليه هو نوع تغيير للشريعة، والرسوم المتلقاة عن الآباء القدماء رحمهم الله، فنحن نجيبهم بأن أصول الشريعة هي المنصوص والمجمع عليه، وقد أوجبتم حفظهما، والعض عليهما بالنواجذ، وإنما التغيير للأحكام الاجتهادية إن اضطر إليه، والتغيير الحقيقي المبيد للشريعة هو عملهم السائرون عليه، فقد تركوا الحدود الشرعية من الأحكام، فلا حد يقام في الأرض على وجهه الشرعي، ولا قصاص، ولا لعان، ولا ولا ولا، نبذوا أحكام الربا، وأحكام البيوعات،