عملهم بمثل ما ذكر، أو توقفهم في كل جزئية على النصِّ الخاص بها.
الثاني: هو تنقيح المناط أن يدل دليل على التعليل بوصف, فيحذف خصوصه عن الاعتبار بالاجتهاد, ويناط الحكم بالأعم, أو تكون أوصاف فيحذف بعضها عن الاعتبار بالاجتهاد, ويناط الحكم بالباقي، وحاصله أنه الاجتهاد في الحذف لبعض الأوصاف, وتعيين البعض للعلِّيَّة، بأن تكون الأوصاف المحذوفة لا دخل لها في العلِّيَّة فيتعيِّن حذفها عن درجة الاعتبار ليتسع الحكم، مثاله:
إيجاب العتق على الأعرابي الذي وقع على أهله في رمضان، فإنَّا ننظر في هذا الحكم فنجده متعلقًا بمن وقع منه الجماع وهو الأعرابي, ومن وقع عليه وهو الزوجة, ونفس الجماع، وزمان الوقاع، وهو ذلك الرمضان, فنحلق بالأعرابي أعرابيًا آخر بقوله -عليه السلام:"حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة"١، أو بالإجماع على أن التكليف يعم الأشخاص، بل نلحق التركي والعجمي به أيضًا, لأنا نعلم أن مناط الحكم وقاع مكلف لا وقاع أعرابي، ونلحق به مَنْ أفطر في رمضان آخر, لأنا نعلم أن المراد هتك حرمة رمضان لا حرمة ذلك الرمضان، بل نلحق به يومًا آخر من ذلك الرمضان، ولو وطأ أمته لأوجبنا عليه الكفارة؛ لأنا نعلم أن كون الموطوءة زوجة لا دخل له في الحكم، بل يلحق به الزاني لأنه أشد في هتك الحرمة، بل والاستمناء باليد؛ لأن المقصود هتك حرمة الشهر، فهذا تنقيح المناط بحذف ما عُلِمَ أنه لا دخل له في التأثير, وليس هذا من السبر والتقسيم الذي تحصر فيها الأوصاف, ثم يبطل منها ما لا يصلح للعلِّيَّة بطرقه فتتيعن العلة، بل في هذا تعيين الفارق وإبطاله. قال الغزالي: ولا نعرف بين الأمة فيه خلافًا. ونازعه العبدري بأن من ينكر القياس ينكره لرجوعه إليه, وهذا النوع مما لا شك في وقوعه في الزمن النبوي أيضًا بكثرة. نعم, قد يتردد بعض الأوصاف بين كونه طرديًّا أو مؤثرًا كالأكل والشرب في نهار رمضان؛ إذ يمكن أن يقال: مدار الكفارة إفساد صوم الفرض، وذلك كما يحصل بالجماع يحصل بالأكل والشرب، ويمكن أن يقال: إن النفس لا تنزجر عند هيجان الشهوة للجماع
١ ليس له أصل، وروى الترمذي بمعناه حديث أميمة بنت رقيقة في باب بيعة النساء من السير, ولفظه: "إنما قولي لمائة أمرأة كقولي لامرأة واحدة" "ج٤/ ١٥١"، ورواه أيضًا النسائي في البيعة "ج٧/ ١٣٤"، ويأتي كلام المصنف على الحديث الذي ذكره في القسم الثاني من الكتاب.