للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمجرد الوازع الديني, فيحتاج إلى كفارة بخلاف الأكل والشراب.

ومن ذلك أيضًا حديث الصحيح: سئل -عليه السلام- عن فأرة سقطت في سمن فقال: "ألقوها وما حولها وكلوه" ١، فالفأرة وصف خاصٌّ, لكن لا عبرة بخصوصه, بل المعنى الذي أوجب ضياع المال وقوع نجس فيه, ولا خصوصية للسمن بل كل مائع، وضابطه أن يترادَّ بسرعة إذا أخذ منه شيء، وكونه مائعًا ورد التقييد به في بعض طرق الحديث عند أبي داود والنسائي، وكون راويه وهو الزهري لم يقل بالتقييد لا يضرنا؛ إذ حجتنا فيما روى لا فيما رأى، على أن الرواية المطلقة فيها ما يدل على التقييد وهو قوله: "ألقوها وما حولها" فلا يكون لها حول إلا إذا كان جامدًا, ولو كان مائعًا لم يكن له حول؛ لأنه لو نقل من أي جانب لخلفه غيره في الحال, فيصير الكل حولًا لها فيلقى جميعه، وفي رواية الدارقطني فيقوَّر ما حولها٢، وجاء ابن حزم فخصَّ الحكم بالفأة, فلو وقع خنزير عنده لم ينجس إلّا بالتغير٣، وقال أحمد: إن المائع إذا حلَّت فيه نجاسة لا ينجس إلا بالتغير، واختاره البخاري وابن نافع المالكي٤، أما السمن فلم يفرق أحمد بينه وبين العسل مثلًا, مما هو مثله في الجمود, أما إذا وقعت الفأرة ولم تمت وخرجت حية, فاتفقوا على أنها لا تضر ما لم تنجس, ووقعت رواية لمالك بعدم التقييد بالموت، فالتزم ابن حزم الذي يقول بعدم حمل المطلق على المقيد, بأن الفارة توثر ولو خرجت حية.

فهذان مثالان من تنقيح المناط, وههنا يحتاج الفقيه إلى مزيد فكر, ويمكن أن يخرج على ذلك ما قدح به -عليه السلام- في قياس معاذ في التمزغ بالتراب, وقضية عمرو بن العاص, فتأمل ذلك والله أعلم لا رب غيره.


١ أخرجه البخاري في الوضوء "ج١/ ٦٥"، وأبو داود في الأطعمة "ج٣/ ٣٦٤"، والترمذي "ج٤/ ٢٩١", والنسائي "ج٧/ ١٥٧".
٢ سنن الدراقطني "ج٤/ ٢٩١".
٣ المحلى "ج١/ ١٧٥" المسألة رقم "١٣٦".
٤ ابن نافع عند المالكية اثنان: الصائغ: وهو عبد الله بن نافع أبو محمد، وهو أثبت في مالك, ويروي عنه سحنون، والزبيري وهو عبد الله بن نافع الأصغر أبو بكر. الديباج المذهَّب "١/ ٤٠٩، ٤١١".

<<  <  ج: ص:  >  >>