فالقول بأنه -عليه السلام- لا يجتهد, يلزم عليه حرمانه -عليه السلام- من هذا المقام مع مخالفة الظواهر المتكاثرة, والظواهر إذا تكاثرت أفادت القطع.
القياس: هل دليل سمعي أو عقلي:
قالت المعتزلة: إن العقل له استقلال في استحسان الحسن، واستقباح القبيح, فيمكن أن يستقلَّ بتشريع الأحكام وإدراك الثواب والعقاب، وهو قول حائد عن الصواب، فإن الثواب والعقاب أمر غيبي تابع لرضى الرب وسخطه، ولا اطلاع عليه إلّا من قِبَلِ النبوة, ومن هذا فقد ادَّعى أن الإنسان يبصر في الظلام ويعقل وهو في الأرحام، نعم العقل يدرك حسن بعض ما هو حسن, وقيح بعض ما هو قبيح لا الكل، ويمدح على الأول ويذم على الثاني، فالحق أن القياس دليل سمعي ورد في القرآن والسنة كما تقدمت أدلته.
أصل القياس وأسرار التشريع:
إن الشريعة الإسلامي عامة لسائر الأمم والأزمان، ونظام للمجتمع العام، وما كان بهذه لمثابة فلا بُدَّ أن يكون منطبقًا على مصالح العباد، وراجعة إليهم وحدهم لا إليه تعالى؛ لأنه غنيٌّ عن العالمين.
لهذا كان أكثر أحكامها معقول المعنى، وقيل: كلها سواء في العبادات أو في المعاملات، وفي هذه أكثر وضوحًا؛ لأن القصد من تدخل الشرع في المعاملات صيانة الحقوق وحفظ المصالح, فلا بُدَّ من مراعاتها إذن في تلك الأحكام، قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ} الآية١.
فالشريعة روعيت فيها المصالح العامة والخاصة وحقوق التملك والحرية الشخصية والفكرية, حتى إنها لم تكلفنا إلا باعتقاد ما سلمه العقل، وقد روعيت فيها النواميس الطبيعية والقانون الطبيعي الذي جعله الله لسعادة البشر وارتقائه.
جاء الدين بتأييد قانون الفطرة، أعني القانون الطبيعي الذي هو حفظ الذات المبنيّ على جلب اللذات ودفع الألم، فطرة الله التي فطر الناس عليها،