للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسة، وهو استصحاب البراءة الأصلية الآتية، قال القاضي أبو الطيب١: وهذه حجة بالإجماع من القائلين بأنه لا حكم قبل الشرع.

الثالث: استصحاب الحكم العقلي إلى أن يَرِدَ الدليل الشرعي، وهذا مذهب اعتزالي؛ إذ العقل يحكم عندهم في بعض الأشياء إلى أن يرد دليل الشرع، ولا خلاف بين أهل السنة في إلغائه في الشرعيات.

الرابع: استصحاب الدليل الشرعي مع احتمال المعارض؛ إما تخصيصًا إن كان الدليل ظاهري أي: عامًّا، وإمَّا نسخًا إن كان الدليل نصًّا, وهذا معمول به إجماعًا، لكن لا يمسي استحصابًا عند المحققين كإمام الحرمين، لأن ثبوت الدليل من حيث اللفظ لا من حيث الاستصحاب.

الخامس: استصحاب الحكم الثابت بالإجماع في محل النزاع، وهو راجع إلى الحكم الشرعي، بأن يتفق على حكم في حالة, ثم تتغير صفة المجمع عليه فيختلفون فيه، فيستدل من لم يغير الحكم باستصحاب الحال. مثاله: إذا استدلّ من يقول: إن المتيمم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة لا تبطل صلاته؛ لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل ذلك، فاستصحب إلى أن يدل على أن رؤية الماء مبطلة، وكقول الظاهرية: يجوز بيع أم الولد؛ لأن الإجماع انعقد على جواز بيع هذه الجارية قبل الاستيلاد, فنحن على ذلك الإجماع بعد الاستيلاد، وهذا النوع هو محل الخلاف، فذهب القاضي والشيرازي٢ وغيرهما إلى أنه ليس بحجة، قال أبو منصور٣: وهو قول جمهور أهل الحق من الطوائف، واختار الآمدي وابن الحاجب٤ قول داود وغيره بالاحتجاج به، قال الشوكاني: وهو الراجح؛ لأن المتمسك بالاستصحاب باقٍ على الأصل, قائم قي مقام المنع، فلا يجب عليه


١ طاهر بن عبد الله الطبري: ت سنة ٤٥٠، ترجم له المؤلف في القسم الرابع.
٢ إذا أطلق القاشي عند الأصوليين فهو أبو بكر الباقلاني، ت: سنة ٣٠٤هـ. والشيرازي هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي, صاحب "المهذب" في فقه الشافعية، ت ستة ٤٧٢هـ، وقد ترجم لهما المؤلف في أواخر القسم الرابع.
٣ عبد القاهر بن طاهر التميمي أبو منصور البغدادي، ت سنة ٤٢٩هـ. "طبقات الشافعية للسبكي" "٥/ ١٣٦".
٤ الآمدي: هو سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد، ت سنة "٤٦٤هـ"، وقد ترجم له المؤلف في القسم الرابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>