للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صار كنبيٍّ ذي شريعة, وأن أتباعه لم يفهموا كلامه على وجه, على أنها لا تحتاج إلى تأويل, وهي عندي محمولة على الاستحسان المحرَّم بإجماعهم, وسبق بيانه في كلام ابن رشد.

ومنه عندي استحسان المتنطعين أن يقطع المتسحِّر الأكل قبل الفجر بنصف ساعة فأكثر، لمخالفت لحديث: "إن بلالًا يؤذن بليل, فلكوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا، رواه مسلم١، وقد ورد تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم, ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية٢.

ومقتضى الحديث الأول أن الفصل بخمسين آية ليس بمطلوب، قال النووي: في الحديث الثاني الحث على تأخير السحور إلى قبيل الفجر, ومقدار قراءة خمسين آية أقل من خمس دقائق، ومنه أيضًا القيام عند ذكر الولادة النبوية مع ورود النصِّ, بل النصوص الصحيحة الصريحة بالنهي عنه، انظر رسالتنا "صفاء المورد في عدم القيام عند سماع المولد"، ورسالتنا: "الحق المبين في الرد على من ردَّ عليها وهو صاحب حجة المنذرين"٣.

الاستحسان في العصر النبوي:

يمكن أن يخرّج عليه حكم سيدنا عليّ لما كان في اليمن بين ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد بأن يقرع بينهم, فمن خرجت له القرعة لحق به الولد, وأدى


١ متفق عليه: البخاري "٣/ ٣٧"، ومسلم "٣/ ١٢٨".
٢ متفق عليه: البخاري "٣/ ٣٧"، ومسلم "٣/ ١٣١".
٣ أخرج الترمذي "٥/ ٩"، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم, قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
قلت: وكيف لا يكرهه -صلى الله عليه وسلم- وقد نهى عنه وقال: "من أحب أن يتمثَّل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه الترمذي "٥/ ٩" وأبو داود "٤/ ٣٥٨"، إلّا أنه: "يمثل" بدل: "يتمثل" فقيام المبتدعة عند ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفلات الموالد مخالفة صريحة للسنة النبوية, وإصرار على ما كان يكرهه النبي -صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>