للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ بابا١: وهذا من ورعه ووقوفه مع ظاهر الشرع, وعلى هذا يجب أن يكون العمل, وهو مذهب مالك, وظاهر مذهب الشافعي تجويز مثل هذا, فإنه يرى أن القصد إنما هو الوصول إلى حقيقة الأمر بأي شيء وصل إليه حصل المقصود, ولهذا يجيزون قضاء الحكام بعلمهم، والحق خلاف لحديث: "فإنما أقضي على نحو ما أسمع"٢ وساق قصة أخرى من هذا النمط وقعت لحاكم في الإسنكدرية فانظرها.

قلت: إن مسألة المسيلي في إرهاب المنكر يشهد لها قضية الجارة التي رضّ يهودي رأسها بحجر, وسألها النبي -صلى الله عليه وسلم- عمَّن فعل بها ذلك, فأشارت إليه وهي في الصحيح٣, وفي بعض الرويات فبقي به حتى أقرَّ وأُقيم عليه القصاص, فلا خروج عن ظواهر النصوص في ذلك.

ثم إن مسألة حكم الحاكم بعلمه ليست مخصوصة بالشافعية بل الحنفية كذلك عندهم، ومن قال بذلك يلزمه القول بالمصالح, ولا إشكال كما قال أحمد بابا المذكور.

وقال الغزالي في المستصفى بعد أن مال إلى القول بالمصالح المرسلة في كثيرة من فروعها: إنها راجعة إلى حفظ مقاصد الشرع التي تعرف بالكتاب أو السنة أو الإجماع، فكل مصلحة لا ترجع إلى ذلك وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة, ومن صار إليها فقد شرع. قال: وإذا فسَّرناها بالمحافظة على مقصد الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها حجة، وحيث ذكرنا خلافًا فذلك عند تعارض مصلحتين, وعند ذلك


= وله أصل في الصحيح, فقد أخرج البخاري في الرهن "٣/ ١٨٧" عن ابن عباس -رضي الله عنما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى أن اليمين على المدَّعَى عليه، وأخرجه مسلم في الأقضية "٥/ ١٢٨", وأخرج الترمذي من طرق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "البينة على المدعي, واليمين على المدَّعى عليه"، وقال: هذا حديث في إسناده مقال "٥/ ٦١٧".
١ أحمد بابا بن أحمد التكروري التنبكتي، مؤرخ من أهل تنكبت في أفريقية الغربية، من مصنفاته "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" في تراجم المالكية، ت. سنة ١٠٣٦ هـ "الأعلام" "١/ ٩٨", وترجم له المؤلف في القسم الرابع.
٢ متفق عليه: البخاري في الحيل "٨/ ٣٢"، ومسلم في الأقضية "٥/ ١٢٨".
٣ متفق عليه: البخاري في الديات "٩/ ٥"، ومسلم في القسامة "٥/ ١٠٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>