اتفقوا على أنه كان ليلة الإسراء, والأصح فيه أنه كان قبل الهجرة بسنة، وحكى ابن حزم الإجماع عليه، فرضت أولًا خمسين ثم خفِّفَت فصارت خمسًا, كما تجده في حديث الإسراء، وأما قول الأصوليين: إن النَّسخ لا يقع قبل التبليغ للأمة, فحديث الإسراء يردّه, وفي الحكم العطائية: علم ضعفك فقلل أعدادها، وعلم احتياجك فكثر أمدادها.
واعلم أن أحسن رابطة جمعت المسلمين وألَّفت قلوبهم ووحدت وجهتهم هي الصلاة، بسبب ما سُنَّ فيها من الاجتماع اليومي خمس مرات، ثم الأسبوعي يوم الجمعة، ثم مرتين في السنة للعيدين، وهو أكبر من الأسبوعي الذي هو أكبر من اليومي، إذ يأتي فيه كل مَنْ كان قريبًا من البلد، ثم الاجتماع الأكبر في عرفة ومنى ومزدلفة, الذي يجمع أطراف العالم الإسلامي, فبهذه الاجتماعات أمكن للرسول تهذيبهم وبث الخير والقرآن في قلوبهم, وزالت كل نفرة كانت ساكنة بها، وترقية أفكارهم, وجمعهم لنهضة واحدة كرجل واحد إذ كانوا بها يتعارفون، حتى صاروا كأبناء عائلة واحدة يحس كل واحد منهم بما أحسَّ به الآخر، وكل واحد منهم كان يتفقَّد أحوال بقية إخوانه ويعلم ما عندهم، مع تمرينهم على مبادئ الدين، ولولا الصلاة ما اضمحلَّت منهم بقايا الوثنية التي كانت أفسدت أفكارهم، هذا زيادة عمَّا في الصلاة من الشكر لله على نعمه، والتذلل بين يديه, ومناجاته كل يوم خمس مرات، واستحضار اليو الآخر وأهواله، والسؤال عن النقير والقطمير بين يدي الله، كل يوم سبعًا وعشرين مرة في قراءة الفاتحة، ومن كان يعمل هذا لا شك أنه ينزجر عن المآثر، كالجور والزور، وكل الفجور، فبالصلاة تربَّت فيهم الملكات النفسانية الطيبة, وتهذبت أحوالهم، وإليه يشير قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ١, فهذا من أوجه اعتناء القرآنت بأمرها، وتنويع الوصيات والأوامر في شأنها، حتى كانت أول مشروع وآكده.