للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام- إنما حجَّ سنة عشر, مع إمكان أن يحج سنة سبع وثمان وتسع، أنتج لنا أن الحج واجب على التراخي لا الفور, خلافًا لمن ضيق, ثم رأيت الحافظ١ نقل عن الشافعي نحو هذا, فلله الحمد.

الحج والعمرة كانا معلومين عند العرب, وكانوا يقيمون موسم الحج كل عام، وذك من بقايا شريعة إبراهيم -عليه السلام، قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ٢, إلا إنهم زادو فيه ونقصوا، كتركهم الوقوف بعرفة, والسعي بين الصفا والمروة، وجعلهم النسيء في أشهر الحج، فجاءت شريعة الإسلام بتقرير ما كانوا يعرفونه من الحجّ، وأصلحت ما أفسدوه منه, حتى رجع لما كان عليه زمن إبراهيم -عليه السلام.

وقد حجَّ -عليه السلام- قبل الهجرة مرتين قبل وجوبه, على نحو ما كان يحج إبراهيم, ولم يخرج عنه إلى ما غيرته الجاهلية، أما بعد الهجرة فلم يحجّ إلا حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة, فيما بيَّنَ لهم المناسك بالفعل الذي هو أقوى من القول، وقال: "خذوا عني مناسككم" ٣, وهناك تمَّت شرائع الحج والعمرة، ونزل قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ٤, ونزل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} ٥، فأباح التجارة في الحج وأباح تحصيل المقصدين، ونزل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ٦، ونزل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ٧، ونزل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآية٨، والذي وقع في السنة الرابعة هو تقرير فرضيته على كل مسلم، وكان في ذلك أيضًا تشويق لفتح


١ ابن حجر العسقلاني صاحب الفتح.
٢ الحج: ٢٦-٢٨.
٣ سبق تخريجه.
٤ البقرة: ١٩٧.
٥ البقرة: ١٩٨.
٦ البقرة: ١٥٨.
٧ البقرة: ١٩٩.
٨ التوبة: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>