للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث, ولا ينافيه تأخُّر نزول الآية إلى السَّنَة العاشرة؛ لأن تحريم الربا مما نزل تدريجيًّا، ففي أول الأمر حرم عليهم ما فيه الربح بأضعاف مضاعفة، لما في ذلك من الإجحاف بحقوق المحتاجين للتعامل, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ١, ثم نسخ في حجة الوداع لما وضع ربا الجاهلية حتى ربا العباس, ففي صحيح مسلم عن جابر من حديث الطويل في الحج, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس بعرفة فقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع, ودماء الجاهلية موضوعة وإن أوّل دم أضع من دمائنا دم إياس بن ربيعة بن الحارث, كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل, وربا الجاهلية موضوع, وأول ربًا أضع ربا العباس بن عبد المطلب, فإنه موضوع كله, فاتقوا الله في النساء, فإنكم أخذتموهن بأمانة الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله, ولكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه, فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أن اعتصمتم به كتاب الله". الحديث٢, ونزل في العاشرة أيضًا {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} ٣ الآية، ونزل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٤ الآية، فحرم كثيره وقليله، وقد بينت السنة ما هو الربا, فكل معاملة منعت كتابًا أو سنة فهي ربا, وما سواها هو الحلال، وبهذا تفهم {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} , فالسَّلَفُ بمنفعةٍ ربا, وفيه نزل القرآن، وكان الرجل إذا حلَّ الدَّيْن عليه ولم يجد وفاءً زاده في الدَّيْن, وزاده في الأجل, وهو فسخ الدين في الدين فهو ربا، وضع وتعجل ربا، وحط الضمان وأزيدك ربا، وربا النساء ربا، وربا الفضل إذا اتحد الجنس ربًا على الصحيح، وأنواع ذلك كثيرة استقصتها كتب الفقه والخلافيات، وكان سيدنا عمر متوفقًا في أبواب من الربا لم يرد فيها نصّ، فقد خطب في آخر حياته وقال: ليت النبي -صلى الله عليه وسلم- عهد لنا


١ آل عمران: ١٣٠.
٢ سبق تخريجه.
٣ البقرة: ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>