فيها. قال ابن العربي في الأحكام: صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة وخمسون معنى نهى عنها، ثم عددها واحدًا واحدًا, غير أن منها ما نُسِخَ كالنهي عن كراء الأرض والماء والكلأ، ومنها ما دخله التخصيص كبيع ما لم يقبض، ومنها ما هو محمول على الكراهية كبيع السنور وكسب الحجام، وذلك في كتب الفقه ثم قال: ولا تخرج عن ثلاثة وهي الربا والباطل والغرر، ويرجع الغرر بالتحقيق إلى الباطل فتكون قسمين، وهذه المناهي تتداخل ويفصلها المعنى، ومنها أيضًا ما يدخل في الربا والتجارة ظاهرًا. ومنها ما يخرج عنها ظاهرًا, ومنها ما يدخل فيها باحتمال، ومنها ما ينهي عنه مصلحة للخلق وتألفًا بينهم لما في التدابر من المفسدة١.
ثم إن أبواب المعاملات، من الفقهاء من ضيقها كالظاهرية حيث حملوها جميعًا على الفساد إلا مادل الدليل على جوازه، والجمهور على العكس، ولو أن الجمهور حملوا تدخُّل الشرع فيها على معنى حفظ مصالح الخلق, وجعلوا الأحكام فيها كلها دائرة على هذا الأصل، لاتَّسَعَت أبواب المعاملة على المسلمين، ولكنهم أدخلوا فيها التعبد لما قام عندهم من الأدلة على قصده, فضاقت المعاملة والمذاهب في ذلك غير متساوية؛ وفمذهب مالك أضيقه الصرف, وغيره لا يرى رأيه فيه، ولكن تجد لهم تضييقًا في باب غيره، وتضييق الفقهاء أبواب المعاملات كان شيئًا في أن المتمسِّكين بمذاهبهم تقل معاملاتهم ويضيق حالهم، وكل من اتسعت متاجره فإما أن يبحث عن الأقوال الشاذة فيقلدها ولا يعدمها، وإما أن ينبذ التقيد بالأحكام الشرعية في معاملاته وهي الطامة الكبرى، ولو وسعوا على الناس لكان خيرًا من أن يحملوها على هذا المركب الخشن، فإنا نرى كثيرًا من الفقهاء يأخذون بالرخص لأنفسهم في كراء الأرض بما تنبت، وفي شركة الخماس، وبيع الصفقة وأمثال ذلك، فلا ينبغي للفقهاء أن يقيدو الأمة عن ما يزيد تقدمها, ولا يضيقوا عليها حتى تخلع الرسن، ولا أن يوسعوا حتى تنحلّ الشريعة، بل الاعتدال أساس من أسس الشريعة، وما جاء التضييق إلا من الأقيسة ثم الاستحسان, وإلا فالنصوص الشرعية المانعة من أنواع المعاملات قليلة جدًّا بالنسبة لما فرَّعه الفقهاء بالاستنباط المبنيّ على أصل دخول التعبد