للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحفرة لهم الديات على من حفر، بيد أن الأول مقتول بالمدافعة, قاتل الثلاثة بالمجاذبة، فله ربع الدية لمقتوليه، وعليه ثلاثة أرباع الدية لمن قتلهم، وأما الثاني فله ثلث الدية وعليه الثلثان للاثنين الذين قتلهما، وللثالث نصف الدية وعليه النصف للواحد الذي جذبه، فوقعت المحاصصة وغرمت العواقل، وهذا من بديع الاستنباط١، الذي لا يدركه الشادي, ولا يلحقه بعد التمرن إلّا العاكف المتمادي، وبقي عليه توجيه استحقاق الرابع للدية كاملة وهو ظاهر؛ لأنه لم يجذب أحدًا، فبقيت ديته كاملة لعاقلته, وإنما كانت الديتان ونصف سدسها على من حضر أو حفر, مع أن الأسد هو الذي عدا على الأربعة وقتلهم, والعجماء جبار, كما إذا تجاذبوا وغرقوا في البحر؛ لأن الحاضرين قد تسبَّبوا بالتزاحم, ولولا ما وصلت أذية الأسد إلى الساقطين كما أن الذين حفروا قد تسببوا أيضًا.

٥- ومن ذلك ما قال الشعبي٢: اجتمع ثلاث جوار فركبت إحداهن على عنق الأخرى, فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت, أي: كسرت عنقها, فماتت, فرقع ذلك إلى علي -كرم الله وجهه، فقضي بالدية أثلاثًا على عواقلهن، وألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة؛ لأنها أعانت على قتل نفسها٣، ولطائف أحكام علي كثيرة كأخبار شجاعته وكرم حاتم.

٦- ومما يدل لذلك تولية الأحكام والجيوش لمن كان حديث عهد بالإسلام كعتاب بن أسيد٤ الذي أمَّره -صلى الله عليه وسلم- على مكة بعد الفتح على صغر سنه وحدوث عهده بالإسلام, ثم حج بالناس سنة ثمان, وأمَّر عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل بفور إسلامه, فصلى بهم جنبًا بالتيمم كما في الموطأ, ولم يؤمروا بالإعادة٥، وولَّى خالد بن الوليد وغيرهم, ولم يكونوا يحفظون إلا اليسير من السنة، ولكن كانت فيهم قابلية الاجتهاد لمعرفتهم باللسان، وكان معهم من يحفظ السنة وربما أخطأوا في الاجتهاد فأرشدهم, كخالد حين قتل من قالوا


١ أحكام القرآن: "٤/ ١٦٢٧".
٢ عامر بن شراحيل: ترجم له المؤلف في أوائل القسم الثاني، وانظر "تاريخ بغداد" "١٢/ ٢٢٧"، و"تهذيب التهذيب" "٥/ ٦٥".
٣ أعلام الموقعين "٢/ ٥٨".
٤ قال المؤلف -رحمه الله: عتاب كنفاع, صيغة مبالغة, وأسيد بوزن عتيد.
٥ الإصابة "٤/ ٤٢٩".
٦ سبق تخريجه ص ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>