للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى.

قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا, قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله -عز وجل, وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب اقوامًا ويضع به آخرين" ١.

ولا تظن أن القرّاء كقراء زماننا يحفظون وقلما يفهمون، فكيف يجتهدون، بل كانوا أهل اللسان، ومعرفة باللغة غريزية, فيفهمون من مغامز القرآن ما لا يفهمه أمهر علماء الوقت.

فمن آراء عمر في صلاة تروايح رمضان, وليس له فيها إلّا جمع الناس عليها في المسجد بإمام واحد، وإلّا فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حضَّ على قيام رمضان بقوله: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه" ٢، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقومه في المسجد, فلما رآهم اجتمعوا عليه خاف أن يفرض عليهم, فلم يعد للخروج إليهم، ولما أمن ذلك بموته -عليه السلام- ندبهم عمر إلى الاجتماع، فليست بدعة شرعية بل لغوية فقط٣.

ومن مجتهداته مسائل ميراث الجد، والعول، وضرب الجزية على أهل السواد بأرض الفرس، وتنظيم بيت المال للمسلمين، وتدوين الدواوين، وجعل التاريخ من الهجرة، ومثل هذين أخذهما عن الروم والفرس، لما كان له من الفكر الواسع فلم يكن يأنف من أخذ ما فيه مصلحة عن غيره من الأمم, ولو كانت كافرة، وجعل الأرزاق للجند على اختلاف٤ مراتبهم في السابقية, وجليل


١ مسلم في فضائل القرآن "٢/ ٢٠١".
٢ متفق عليه: البخاري في الإيمان "١/ ١٧"، ومسلم في صلاة المسافرين "٢/ ١٧٦".
٣ فعل عمر في صلاة التروايح, أخرجه البخاري في الصوم, باب فضل من قام رمضان "٣/ ٨٥", ومالك في الموطأ في كتاب الصلاة في رمضان.
٤ قال المؤلف -رحمه الله: مخالفًا في ذلك ما رآه أبو بكر من التسوية فيه محتجًّا بأنه لا يجعل العطاء ثمنًا لأعمالهم التي عملوها لله، وقال عمر: والله الذي لا إله إلا هو, ما أجد أحدًا إلّا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه, وما أجد أحق به من أحد إلّّّّّا عبد مملوك, وما أنا إلّا كأحدكم, ولكنا على منازلنا من كتاب الله -عز وجل، وقسمنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فالرجل وتلاده في الإسلام, والرجل وغناءوه في الإسلام، والرجل وحاجته في الإسلام، فرتَّب العطاء لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم, لكل واحدة اثنا عشر ألف درهم في السنة، ومثلها العباس، ثم =

<<  <  ج: ص:  >  >>