للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإرث, والمسألة تراجع في محلها١.

النوع الرابع: اختلافهم في التمسُّك بأصل من الأصول، كتزوج مطلقة في العدة بغير الزوج المطلِّق, فقد حكم عمر بتأبيد الحرمة معاملة له بنقيض القصد, وزجرًا عن مخالفة أمر الله, ومحافظة على النسل, أخذًا بالمصالح المرسلة، وخالفه علي تمسكًا بالبراءة الأصلية, ولا نصَّ في القرآن لواحد منهما، وقد تقدَّم هذا.

كما تقدَّم استحسان عمر جعل الأرض العنوية حبسًا، وإيقاع الثلاث على من تلفَّظ بها في مرة واحدة أخذًا بالمصلح المرسلة٢.

وروى الإمام أحمد عن سلامة بنت معقل قلت: كنت للحباب ابن عمرو ولي منه غلام, فقالت لي امرأته: الآن تباعين في دينه، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من صاحب تركة الحباب"؟ فقالوا: أخوه أبو اليسر كعب بن عمرو, فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " لا تبيعوها وأعتقوها, فإذا سمعتم برقيق قد جاءني فائنوني أعوضكم" ٣, ففعلوا, فاختلفوا بينهم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فقال قوم أم الولد مملوكة لولا ذلك لم يعوضهم، وقال بعضهم: هي حرة حيث أعتقها, فمن ثَمَّ كان الاختلاف.

فهذه أمثلة من كيفية اجتهاد الخلفاء الراشدين ومخالفة من خالفهم, فهي الأصل الذي حذا حذوه المجتهدين والفقهاء بعدهم، وقد رأيت أن جلّ ما كان يقع من الخلاف يضمحل لمكان الشورى، وتوفر جمهور الصحابة لديهم, فتظهر السنة ويعتمدونها فيضحمل الخلاف، ويعلم ذلك بتتبع كتب الصحاح وممارسة كتب الفقه القديمة كموطأ مالك والمدونة والأم للشافعي ونحوها.


١ البخاري "٨/ ١٨٨".
٢ سبق.
٣ أحمد في مسنده "٦/ ٣٦٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>