للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجد ماء فتمعَّك في التراب, فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كان يكفيك تفعل هكذا, وضرب بيده الأرض, فمسح وجهه ويديه" فلم يقبل منه عمر، وقال له: نوليك من ذلك ما توليت١.

ولم ينهض عنده حجة تقاوم ما رآه من أن الملامسة في آية التيمم الملاعبة التي هي من نواقض الطهارة الصغرى, حتى استفاض الحديث في الطبقة الثانية من طرق كثيرة, واضمحلَّ وهم القادح فأخذوا به.

النوع الثاني: أن لا يوجد نص فيختلفوا في الاجتهاد، كالزوج العبد إذا طلق الحرة طلقتين، قال عثمان، وزيد بن ثابت: لا تحل حتى تنكح زوجًا غيره اعتبارًا بحال الزوج، وخالفهما عليٌّ فقال: لا تحرم حتى يطلقها ثلاثًا اعتبارًا بحال الزوجة، وترجّح الأول؛ لأن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح.

وقد يُستدل للثاني بأن الله وضع عن الرقيق نصف العذاب، وهذا زيادة عذاب فلا يقاس على الحد٢.

ومنه فتوى عثمان بإرث الزوجة من الزوج الذي طلق في مرض الموت ولو انتقضت العدة، وروي عن عمر تقييده بما لم تنقض العدة.

النوع الثالث: اختلافهم في استعمال اللغة، فقد أفتى ابن مسعود ووافقه عمر بأن المطلقة لا تخرج من عدتها إلّا إذا اغتسلت من الحيضة الثالثة، وأفتى زيد ابن ثابت بخروجها بمجرد ما تحيض, فالأول مبني على أن القرء في الآية الطهر، والثاني: الحيض.

ومن ذلك قول أبي بكر: إن الجد أب, فأنزله في الميراث منزلته في كل الأحوال مستدلًا بنحو قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} ٣, قال البخاري: ولم يذكر أن أحدًا خالفه في زمانه وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- متوافرون، قال: ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة, يعني: بعده، فرأوا أن إطلاق الأب عليه مجاز, ولو سلمنا بأنه حقيقة فلا يلزم من الإطلاق اللغوي استحقاق


١ متفق عليه: البخاري "١/ ٨٩"، ومسلم "١/ ١٩٣".
٢ انظر نيل الأوطار "٦/ ٢٣٨".
٣ يوسف: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>