للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقه زمن معاوية فمن بعده:

إن معاوية لم يؤسس خلافته على ما كانت مؤسسة عليه قبله من رابطة الشورى الحقيقية، بل أسسها على قاعدة العصبية والملك، وهي عصبية فريق من الأمة لا كلها، وذلك الفريق هم بنو عبد شمس من قريش ومواليهم الذين كان معاوية ولَّاهم ثغور الشام ومدنه وأوطنهم إياه, وجعل لنفسه هناك صنائع من غيرهم، والعصبية داعية إلى الأثرة والاستبداد، فتغيَّر الحال عَمَّا كان عليه من قبل، فبعد ما كانت قوة نفوذ الخليفة مستمدَّة من الجامعة الإسلامية قاطبة, ومن عموم الأمة الذي يجب عليه أن يرضيه بالمساوة والمشورة والاشتراك في الرأي، أصبحت مستمدَّة من فريق من الأمة, يجب عليه أن يؤثرهم ويرضيهم ولا عليه في الباقي، فتغيَّر الفقه عمَّا كان عليه من قبل، ولولا فضل معاوية وحسن سياسته لوقع القضاء على الأمة والفقه، إلا أن وقوع الاستبداد أثَّر على الفقه كثيرًا، وإليك مثالًا من ذلك:

كتب مروان إلى أسيد بن حضير الأنصاري وكان عاملًا على اليمامة, بأن معاوية كتب إليه أن الرجل الذي تسرق منه سرقة فهو أحق بها حيث وجدها، فكتب أسيد إلى مروان: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى بأنه إذا كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متَّهم يخيَّر سيدها, فإن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنه, وإن شاء اتبع سارقه, ثم قضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان, فبعث مروان بكتاب أسيد إلى معاوية، فكتب معاوية إلى مروان: إنك لست أنت ولا أسيد تقضيان علي, ولكني أقضي فيما وليت عليكما, فأنفذ ما أمرتك به, فبعث مروان بكتاب معاوية إلى أسيد فقال: لا أقضي ما وليت بما قال معاوية. رواها النسائي في البيوع١.

ومن تأمَّل هذه القصة يعلم مبدأ الاستبداد في أمر الأمة, وتغيُّر ما كانت عليه


١ النسائي "٧/ ٢٧٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>