الحال من أمر الشوى, وإن كان جلالة أسيد وسابقيته، وبالأخص عصبيته الأنصارية وقفت دون الاستبداد, وفتحت له طريق التصلب في الحق، لكن لو كان والٍ غيره ليس له تلك الحيثية, فإنه يذهب مع التيار الأغلب, وهذا أمر لا شك أنه مؤثر على الفقه، وكلٌّ يعلم أن الاستبداد ماحٍ للاجتهاد موجب للتقليد.
ومن أسباب تغير الفقه تفرُّق الصحابة في الأقطار الإسلامية للفتح والغزو, ثم التعليم والتهذيب والاستيطان للحراسة والرباط، وكل صحابي كان يحضر ويشهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يحضره غيره, ولا يحضر بقية الأقضية والنوازل، فكان كل واحد يأخذ بما شهده, ويترك ما غاب عنه, فنشأ الاختلاف والمذاهب, وتعدَّدت الروايات عند العراقيين والحجازيين والشاميين واليمنيين والمصريين والخراسانين، وهلمَّ جرا, وتقدَّم أن انتشارهم كان زمن عثمان.