للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث, ما أستحلُّ أن أذكر منها شيئًا, ولو كان لي كذا وكذا.

وقيل: إن جابرًا له سبعون ألف حديث يرويها عن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي، ومثل جابر أبو داود الأعمي وأبو جعفر الهاشمي، في كثير من أمثالهم، أشار إلى هؤلاء المتهمين وفضحوا عُمْلتهم، وحذَّروا من كل واحد باسمه، ولم يقبلوا شيئًا مما حدثوا به, وبينوا أعيان الأحاديث التي وضعوها والأغراض التي حملتهم على ذلك، حتى سلَّم الله الشريعة من كيدهم، ولذلك جعلوا من جملة شروط قبول الحديث أن لا يكون فيه راوٍ بدعي داعٍ إلى بدعته، وأن لا يستحلّ الكذب، وأن لا تصل بدعته إلى حد الكفر، كما هو مقرر في مصطلح الحديث.

وهذا هو السبب في اعتناء المسلمين بتاريخ حياة الرجال, وكشف الستر عن سيرهم وأحوالهم, وهو ما يسمَّى علم الجرح والتعديل، وأول من تكلم فيه شعبة بن الحجاج، كذا قال بعض العلماء، والذي في مقدمة صحيح مسلم أن أيوب السختياني ممن انتقد الأسانيد وهو من أشياخه، بل جاء بشير العدوي إلى ابن عباس وجعل يحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه فقال له: ما لي أراك لا تسمع لحديثي؟ فقال له ابن عباس: إنا كنَّا إذا سمعنا رجلًا يحدِّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتدرته أبصارنا, وأصغينا إليه بآذاننا, فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلّا ما نعرف.

وأُتِيَ ابن عباس أيضًا بكتابٍ فيه قضاء علي, فجعل يكتب منه أشياء, ويمر بالشي فيقول: والله ما قضى بهذا إلّا أن يكون ضل, وبمثل ابن عباس وطبقته وتلاميذه وتلاميذهم ابتدأ نقد الرجل ونقد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فأنقذ الله دينه وشريعته أن يقع فيها ما وقع في الشرائع قبلها.

وتسلسل ذلك في علماء الأمة، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة، ما دام أبو حامد بن الشرقي١ في الأحياء لا يتهيأ لأحد أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وعن ابن المبارك٢ لما قيل له هذه الأحاديث المكذوبة قال: تعيش لها


١ هو أحمد بن الحسن، انظر تاريخ بغداد "٤/ ٤٢٧".
٢ عبد الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>