للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهني، ومعاوية بن حديج١ السكوني، وأبو لبابة، ورويفع بن ثابت الأنصاري، وغيرهم، هكذا أصحاب رسول الله تفرَّقوا في عواصم الإسلام المستجدة, معلمين مهذبين ناشرين للسنة والدين والفقه، وتقدَّم أن عثمان هو الذي رخَّص لهم في الانتشار في الآفاق, فأخذ أهل كل بلد برواية معلمهم من الصحابة وبرأيه، فكان ذلك أول تشعُّب الفقه، واختلاف البلدان والأقطار فيه، وتعصُّب كل قطر إلى فقههم، وما جرى به علمهم وحكم به قضاتهم, وأفتى به مفتوهم، وإن كانت المناظرة العظمى والمعركة الكبرى إنما حميت في هذا العصر بين العراقيين والحجازيين، أو قل الكوفيين، والمدنيين، وعلى كل حالٍ فالمدينة المنورة محل الجمهور من الصحابة وكبار التابعين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد رجوعة من حنين ترك بها اثني عشر ألفًا من الصحابة، مات بها عشرة آلاف، وتفرَّق ألفان في سائر أقطار الإسلام، هكذا قال مالك وغيره، وروى عنه ابن عبد الحكم١: إذا جاوز الحديث الحرتين٢ ضعفت شجاعته.

وروى عنه ابن وهب٢ قال: كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى أهل الأمصار يعلمهم السنن والفقه, ويكتب إلى أهل المدينة يسألهم عمَّا مضى وأن يعلموه بما عندهم، كتب إلى أبي بكر بن حزم أن يجمع السنن ويكتب بها إليه، فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتبًا ولم يبعث بها إليه بعد، وكان أبو بكر هذا قاضيًا بالمدينة, ثم كان واليًا بها.

وقال: إذا رأيت أهل المدينة مجتمعين على أمر فلا شك أنه الحق, فكان أهل الحجاز يرون أن حديثهم مقدَّم على غيرهم, بل يرون أن حديث العراقيين أو الشاميين إذا لم يكن له أصل عند الحجازيين فليس بحجة، حتى قال قائلهم: نزِّلُوا حديث العراقيين منزلة حديث أهل الكتاب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم.

وقيل لحجازي حديث سفين٣ عن منصور٤ عن إبراهيم٥ عن علقمة٦ عن


١ قال المؤلف -رحمه الله: حديج بالحاء المهملة مصغر, والسكوني بفتح السين المهملة وتخفيف الكاف.
٢ عبد الله.
٣ قال المؤلف -رحمه الله: الحرتين: تشبه حره بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء, حجارة سود متراكمة خارج المدينة المنورة على ساكنها -أفضل الصلاة والسلام.
٤ عبد الله بن وهب.
٥ ابن سعيد الثوري.
٦ ابن المعتمر أبو عتاب الكوفي.
٧ ابن يزيد النخعي.
٨ ابن قيس النخعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>