للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن مسعود -وهذا من أصح إسناد يوجد في العراق, فقال: إن لم يكن له أصل في الحجاز فلا.

ذلك لاعتقادهم أن أهل الحجاز ضبطوا السنة فلم يشذ عنهم منها شيء، وأن أحاديث العراقيين فيها اضطراب أوجب التوقف فيها.

وكان أبو العباس السفاح استعمل بالعراق ربيعة بين أبي عبد الرحمن وزيرًا ومشيرًا, غير أنه تأفَّفَ من ذلك واستعفاه كراهية لأهل العراق، فاعفاه وانصرف للمدينة، فقيل له: كيف رأيت العراق وأهلها؟ فقال: رأيت قومًا حلالنا حرامهم وحرامنا حلالهم، وتركت بها أكثر من أربعين ألفًا يكيدون هذا الدين، وقال: كأن النبي الذي بُعِثَ إلينا غير الذي بعث إليهم، وقال لأبي العباس: إن بلغك أني أفتيت بفتيا أو حدثت بحديث ما كنت بالعراق فاعلم أني مجنون.

وقال وكيع١: والله لكأنَّ النبي الذي بُعِثَ بالحجاز ليس بالنبي الذي بُعِثَ إلى أهل العراق. وقال في الكوفة: إنها دار الضرب, وقال عمر بن عبد العزيز لإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لما استأذنه في الخروج للعراق: أقرهم ولا تستقرهم, وعلمهم ولا تتعلم منهم, وحدثهم ولا تسمع حديثهم, وقال ابن شهاب٢: يخرج الحديث من عندنا شبرًا فيعود في العراق ذراعًا.

ومثل هذا من المدنيين في ذم العراقيين كثير, لكنه محمول عندي على أهل الأهواء؛ لأنها دار الخوارج ومنبع الشيعة ومستقر البدع، أما أهل السنة ففيهم علم وفضل وسنة، ولذلك اتفق الجمهور على ترك التضعيف بهذا، فمتى كان الإسناد جيدًا كان الحديث حجة حجازيًّا أو عراقيًّا أو شاميًّا أو غيرها، وكم من حديث في الصحيحين المجمع على قبول ما فيهما كل رواته عراقيون، لكن أحاديث المدنيين أقوى.

قال في أعلام الموقعين: هي أم السنة, وهي أشرف أحاديث الأمصار, ولذلك تجد البخاري أول ما يبتدئ في الباب به ما وجدها كمالك عن نافع عن ابن عمر، وابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة، هذا, وإن أهل كل بلد أعلم بعوائد بلدهم, وأحوال سلفهم, وسنن آبائهم, وقضايا حكامهم, دون من


١ ابن الجراح.
٢ محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>