للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواهم من غير أهل بلدهم، وممن يأتي بعدهم هذا مما لا ينازع فيه منصف ولا تقوم بغيره حجة لمتكلف، فلذلك تمسك أهل كل بلد بما عندهم من سنة أو رأي أو قضاء, وأعرضوا عمَّا سواه، وكان الأمر بلغ شدة في آخر أيام بني أمية في الاختلاف، وتمسك كل بلد بما عندهم، وإصرار أهل العراق على الرأي وما روي عندهم من السنن، واشتد الخلاف بينهم وبين أهل الحجاز، فكان أهل الحجاز يطعنون فيهم بظهور المبتدعة في العراق، ووضع الزنادقة الأحاديث، ومنه ظهرت فتنة عثمان، وإن اشترك معهم فيها أهل مصر، وبه وقعت الملاحم العظام بين المسلمين في وقعة الجمل ثم صفين١, ومنه خرجت الخوارج, واعتزلت المعتزلة والجهمية، وبها كان المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، والحجاج بن يوسف مبيد العلماء والفضلاء، ومقتل الحسين، وتشيع الشيعة.

وبها كان مبدأ دين القرامطة مجوس هذه الأمة، وهذا كله بسبب الجمعيات السرية التي تألَّفت من أعداء الإسلام المغلوبين لأهله من فرس ويهود، وابتدأ ذلك في زمن عمر بن الخطاب، ففيه كان ظهور شهادة الزور حتى قال: والله لا يؤمر رجل من المسلمين بغير عدول.

وكثر الطعن منهم على الولاة الأخيار, فقد اشتكى أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص بأنه لا يحسن الصلاة، والحال أنه الذي علَّمها لهم, وهو من هو علمًا ودينًا, فعزله وأوصى به, وجعله من أهل الشوى المرشَّحين للخلافة بعده لما يعلم من براءته، ثم ولي عمَّار بن ياسر, وناهيك به، فشكوه وقالوا: إنه غير عالم بالسياسة, ولا كافٍ, ولا يدري على ما استعملته، فعزله وولّى أبا موسى الأشعري بعدما طلبوه منه, فما أقام إلا سنة وشكوه طالبين عزله وقالوا: إن غلامه تجر في حبسنا١، فعزله وأعياه أمرهم حتى قال: ممن عذيري من مائة ألف لا يرضون بوالٍ, ولا يرضى عنهم والٍ.

فولّى عليهم المغيرة بن شعبة وأوصاه بقوله: ليأمنك الأبرار وليخفك الأشرار, ثم كان من شأنهم ما هو معلوم معه حتى رموه بفعل الفاحشة، ثم كان منهم مع عثمان وولاية الوليد, ورميهم له أيضًا بشرب الخمر، إلى أن عزله ثم


١ قال المؤلف -رحمه الله: صفين -بكسر الصاد المهملة وتشديد الفاء المكسورة: اسم موضع بين العراق والشام, وقعت فيه ملاحم عظيمة بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما.
٢ في تاريخ الطبري.... في حشرنا "٤/ ١٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>