للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدَّه، ثم كان منهم ما كان من الثورة وقتل عثمان.

ثم لما خرج إليهم عليٌّ لقي من اختلافهم الشدائد, وافترقوا عليه إلى خوراج, وأنكروا عليه التحكيم بعد أن أجبروه عليه باختلافهم، وتخاذلوا عن نصرته, واستهانوا بخلافته, وضاق ذرعه بهم حتى كان يقول: اللهم أبدلني خيرًا منهم, وأبدلهم شرًّا مني, فأجاب الله دعاءه ونقله للرفيق الأعلى.

ثم قاموا ببيعة الحسن وعاهدوه, لكنهم لأول صيحة من الجيش نهبوا خباءه من غير وقوع قتال, حتَّى ألجأوه للتخلي لمعاوية عن الأمر، وصار أهل العراق تبعًا لأعدائهم أهل الشام.

ثم لما مات معاوية طلبوا سيدنا الحسين وبايعوه, وهم نحو عشرين ألفًا، ثم خذلوه وأسلموه وأهل بيته، فلما قُتِلَ وفات الأمر في نصرته أظهرو الندم والتحسُّر، فعادوا في طلب دمه, مع أنهم أولى من يطالب به، فقاموا مع المختار الكذاب، وفتحوا للبغي كل باب, إلى أن سلط الله عليهم الحجاج, فأقام فيهم عشرين سنة لا يراقب فيهم إلًّا ولا ذمَّة، يأخذهم بالظنة ويعاقب البريء بجريرة المذنب ولا يقبل من محسن, ولا يتجاوز عن مسيء, قتل الأخيار والعلماء والأبرار, وبقي على ذلك إلى أن أهلكه الله.

فهذه الفتن وأشباهها لا شك أنها توجب انحطاط العلم بذهاب العلماء، وإياها عني -صلى الله عليه وسلم بقوله: "الفتنة ها هنا حيث يطلع قرن الشيطان" كما في الصحيحين١ مشيرًا إلى جهة العراق، وذلك من أعلام نبوته، ثم في آخر زمن بني أمية ظهرت الشيعة من مكامنها أيضًا وكثرت الفتن، ومن تلك النواحي بدأت، حتى أقبل جيش خراسان الذي كان شيعة لبني العباس, وتغلَّب على الأمر في أول المائة الثانية, ولما أراد بنو العباس نقل عاصمة الملك إلى بغداد بالعراق لم يجدوا في العراق ما يكفي لنشر السنة إلّا بأن أتوا من المدينة بعلماء مهَّدوا السبيل، كربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، وارتحل إليهم هشام بن عروة، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي.

ومن حينئذ بدأ ظهور السنة هناك على ما سنذكره في محله, هذا ما أوجب تغيُّر الفقه في هذا العصر عن الحال التي كان عليها في عصر الخلفاء الراشدين.


١ متفق عليه عن ابن عمر: البخاري في الفترة "٩/ ٦٧"، ومسلم "٨/ ١٨٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>