للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك كانت ديتها على النصف من ديته, فأجري ذلك على ظاهره ولو أدَّى إلى نتيجة غير معقولة؛ إذ لا شأن للعقل في التشريع الذي فيه نص, فالأربعة الأصابع ديتها أكثر من الثلث, ولذلك ترد إلى النصف من دية الرجل فتصير عشرين، فلم يفهم ربيعة وجه ذلك, فلذلك سأله فلم يعجبه سؤاله، فقال له: أعراقي أنت؟ لقول العراقيين: إن ديتها على النصف مطلقًا، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، والليث، والثوري، وجماعة، وكان الشعبي١ مع كونه كوفيًّا ضد أهل الرأي، وما يؤثر عنه قوله: أرأيت لو قتل الأحنف٢ بن قيس وقتل معه صغيرًا, أكانت ديتهما واحدة أم يفضَّل الأحنف لعقله وحلمه؟ قالوا: بل سواء, قال: فليس القياس بشيء.

وانظر كتاب الحيل في صحيح البخاري وشروحه, وما قيل في حديثي المصراة والمزابنة في البيوع, تقف على أقول الفريقين وتعلم أن الأمة بعدما افترقت طوائف من خوراج وشيعة وفرقهما، افترق بعد ذلك الجمهور أيضًا الذين لم يمسّهم ابتداع إلى أهل رأي وحديث، وكم من مسألة يظن بأهل العراق فيها أنهم قد نبذوا النصّ وأخذوا بحكم العقل والنظر, وحاشاهم أن يعتمدوا ذلك, وإنما سبب ذلك وجود قادح عندهم في النصّ لم يطَّلع عليه الحجازيون، أو لم يصلهم الحديث، أو وصلهم حديث آخر قد عارضه فرجحوه، مثاله: اجتمع الأوزاعي٣ بأبي حنيفة بمكة، فقال الأوزاعي: ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع والرفع منه؟ فقال أبو حنيفة: لم يصحّ عن رسول الله في ذلك شيء.

فقال الأوزاعي: كيفل وقد حدَّثني الزهري٤ عن سالم٥ عن أبيه٦ عن رسول


١ عامر بن شراحيل.
٢ قال المؤلف -رحمه الله: لطيفة: كان الأحنف أعور أطلس أحنف، والأطلس من لم تنبت له لحية، والحنف الاعوجاج في الرجل إلى داخل، ومع ذلك كان إذا ركب يركب معه ثمانون ألفًا من بني تميم لفضله وجوده وعقله وحلمه، لا يعتبرون بنقص حسّه، بل بكمال معناه، وكانوا يقولون: لوددنا أن نشتري له لحية بعشرين ألفًا، ثم إن الحجة التي احتجّ بها الشعبي على نبذ القياس ليست بشيء؛ لأن القرآن زال الفرق بين الأحنف والصبي في القصاص, وعلّق الحكم على النفس فقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} , وقال: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} الآية. إلّا ما استثني عند من يراه.
٣ عبد الرحمن عمرو
٤ محمد بن مسلم بن عبد الله.
٥ ابن عبد الله بن عمر.
٦ عبد الله بن عمر بن الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>