إنه ليسرني جدًّا أن أقدم إلى معاليكم أجمل التهاني بمناسبة صدور الجزء الثالث من تأليفكم القيم الذي أدرجتم فيه أنظاركم السامية عن تاريخ الفقه الإسلامي وتطوره، كم كنا نحتاج إلى مثل هذا الكتاب الجليل، أيها الفقيه النبيل، وكم نفرح الآن بنيل المرام، كيف لا وقد انتظرنا انتظار الشمس بعد الغسق، فلا شك أن اسمكم العالي سيبقى مكتوبًا بالذهب على صفحة تاريخنا العلمي لهذا العصر الذي أود أن أسميه عصر العناية في ترقية علوم الشريعة السمحة بعد وقوفها الطويل.
ومما يزيديكم قدرًا في نظري على سائر معاصريكم من علماء العالم الإسلامي, هو منشؤكم من تلك البلاد المغربية التي نفتخر جميعًا بماضيها المجيد، ونتمنى عز مستقبلها، فهي كانت يومًا مع كل غربيتها من جهة جغرافية مشرقًا شموس الثقافة الإسلامية والعربية المنتشرة من شمال أفريقية نحو أوربا، وبصفتي أوروبيًّا ومسلمًا, أنا أفتخر افتخارًا خاصًّا بتلك الحقيقة التي لا نكير لها، أما كتابكم الجليل، فهل من سبيل أن أمدحه ولو بكلمة واحدة, كلَّا، فهو المستغني عن كل مدح حيث إنه يمدح نفسه بمجرد قدره وقيمته، ولكنني أرجو من فضلكم السماح أن أترجم لكم إعجابي المفرد عن إصابتكم في تقسيم تاريخ الفقة الإسلامي وتطوره على أربعة أطوار: الطفولية والشباب، والكهولة والهرم، غير أني أنتظر الجزء الرابع، وقد عيل صبري أن أرى طريقًا جعلتموه مؤديًا إلى تجديد الفقه الإسلامي وترقيته, لما أن تلك المسألة هي التي تهمني في هذا الزمان أكثر الهم، أما العدالة والإنصاف في عرض المذاهب المختلفة، ورجالها العظام، وسلوككم طريق الحق والصواب، فكل هذا خصلة من الخصال التي زينت جميع كبار الفقهاء من أسلافنا العظام، وهي التي تجعلكم خير خلف لهم, لو أردت أن أشير حتى إلى شيء يسير من الأمور الكثيرة التي تجلب أنظار كل قارئ من أي نفطة نظرية كان، لطال بي هذا, إني أقتصر في الاعتراف أن في الأسلوب العصري الذي اتخذتموه في كتابكم لم يسبقكم أحد من قبل، ونعم ما قيل: كم تكر الأول للآخر.