للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعابها١, وبقوله عليه السلام في الصحيح أيضًا: "إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال" ٢، وقد تردَّد مالك في حمل الحديث على ذلك أو على الاستعطاء، وفي صحيح مسلم عن الزهري, عن سعد بن أبي وقاص قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين, فحرم عليهم من أجل مسألته" ٣، لكن هذا قد انتهى حكمه بموت الرسول -عليه السلام- لانقطاع تجدد الأحكام، ومنه حديث: "إن الله فرض أشياء فلا تضيعوها, وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان, فلا تبحثوا عنها" ٤ رواه الإمام أحمد وغيره.

وأنكر جماعة من الصحابة والتابعين السؤال عمَّا لم يقع من النوازل, ورأوا أن الاشتغال بذلك من الغلوِّ والتعمق في الدين.

قال ابن المنير٥: كان مالك لا يجيب في مسألة حتى يسأل, فإن قيل نزلت أجاب عنها, وإلّا أمسك، ويقول: بلغني أن المسألة إذا وقعت أعين عليها المتكلم, وإلا خُذِل المتكلِّف, وهذا ينافي ما روي عنه من المسائل الكثيرة التي هي في الموطأ والمدونة والموازنة والعتبية وغيرها، ويأتي في ترجمة المعيطي من أصحابه الأندلسيين أنه أفرد أقواله هو وأبو عمر الإشبيلي فكانت مائة مجلد، ويبعد كل البعد أن تكون المسائل كلها واقعة في زمنه، ومن ذلك قول النووي٦ أيضًا: روينا أن الأوزاعي أفتى في سبعين ألف مسألة.

وقال الجمهور بالجواز, مستدلين بحديث الصحيح عن المقداد بن الأسود، قلت: يا رسول الله, أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي


١ متفق عليه: وهو جزء من حديث اللعان: في البخاري "٧/ ٦٩"، ومسلم "٤/ ٢٠٥".
٢ من حديث المغيرة بن شعبة: متفق عليه, البخاري "٢/ ١٥٣"، ومسلم في الأقضية "٥/ ١٣١".
٣ من حديث سعد بن أبي وقاص، متفق عليه: البخاري في الاعتصام "٩/ ١١٧"، ومسلم في الفضائل "٧/ ٩٢".
٤ أخرجه أبو نعيم عن أبي ثعلبة الخشني، الحلية "٩/ ١٧"، ولم أجده في مسند أحمد، وانظر في هذا الفقيه والمتفقه "٢/ ٧".
٥ هو عبد الواحد بن منصور، الديباج المذهب "٢/ ٦٢".
٦ يحيى بن شرف أبو زكريا.

<<  <  ج: ص:  >  >>